للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما وفد على دست الدولة ركاب الرشيد الحسيني وعزل المفتين أولى الشيخ المذكور مشيخة الإسلام وإمامة الجامع اليوسفي وأولاه خطبة جامع باردو المعمور ونقله من إمامة الجامع الباشي إلى إمامة جامع والده الجامع الحسيني والخطبة به وإن بقي له تدريس الجامع الباشي مع تدريس الجامع الحسيني وأعطاه داراً جليلة للسكنى، فساعده الإقبال ببلوغ الآمال وهنأه الشيخ الحاج حمودة بن عبد العزيز في جميع ذلك بقوله: [الوافر]

تضوّعَ منبر تعلوه طيباً ... غداة علوتَ ذروته خطيبا

وتطربه فيهتزُّ ارتياحاً ... كما قد كان أملوداً رطيبا

ليهنك يا إمام العصر يا منْ ... بحكم الله مجتهداً مصيبا

فأضحى الدين محميّاً مصوناً ... وقدماً كان قد لاقى شحوبا

وأضحى آهلاً بمراح أنسٍ ... وقبلك كان في الدنيا غريبا

ودار قد حللت بها فظلّتْ ... لمرتا العلا ربعاً خصيبا

تضم البدر لا يخشى محاقاً ... وتحوي الشمس لا تبغي غروبا

قد ازدحمت بساحتها وفودٌ ... وما أحد توهّم أن يخيبا

فلاقوا منك وجهاً ذا ابتسام ... وصدراً ضمّن التقوى رحيبا

سقاها غيرَ مفسدها سحابٌ ... يحاكي جود راحتكم صبيبا

ولازالت سعودك في توالٍ ... وقد زالت نحوس لن تؤوبا

تبلّغ كل ذي أمل مناه ... بعيداً كان ذلك أو قريبا

وحيث أنه قد اجتمعت بيده ثلاث خطب باشر منها خطبة جامع باردو بنفسه وأناب لخطبة الجامع اليوسفي إمام الخمس به ورواية [الجامع الباشي] الشيخ عمر بوشناق، وأناب لوظائف الجامع الحسيني خطيبه الأصلي [خطابة] وإمامة ورواية الشيخ محمد قاره بطاق المنقول منها لإمامة الجامع الباشي.

وتصدى الشيخ حسن البارودي للإفتاء وبث العلم وأقرأ بالجامع الباشي الجوهرة على القدوري وعاد للتدريس بالمدرسة الشماعية فأقرأ فيها ملا مسكين على الكنز وتصدى لخدمة العلم الشريف والقيام بخططه أحسن قيام.

وقد كتب رسائل كثيرة في كثير من المسائل الفقهية منها رسالته التي في الرد على من قال بإبطال حكم القاضي بعد القضاء وقد تنازع في المسألة مع قاضي بارودو إذ ذاك وبعض الشيوخ المالكية، وله رسالة فيمن قال لامرأته أنت طالق يا زانية، ورسالة في الشكل المثلث والمربع من الأحواض، ورسالة سماها القسطاس السوي في الصاع النبوي، ورسالة في خلع الصبية، وأخرى في أبوة زوج المرضعة، وأخرى في الزايغة وأخرى في حكم الكتابي والصابي والمجوسي، وأخرى في نقل الحاضنة للمحضون، وأخرى في تقدير الشجر المغروس في الأرض المغصوبة، وأخرى في رد الجواري المشتراة بعيب، وقد كتب على قوله تعالى: (يوجد أية) ، وشرح حديث قتل النملة، وشرح خطبة العيني على الكنز، وكتب في بحث الأمير علي باي في النذور.

وشرح عبارة القدوري فيمن أفسد الركعتين الأخيرتين وكان الشيخ لطف الله الأعجمي إذ ذاك بتونس سنة ثمان وسبعين فشرحها بغير ما شرحها به الشيخ البارودي، فتعقب شرح الشيخ لطف الله برسالة استدراك من أجلها الشيخ لطف الله على رسالته الأولى بما اعتذر به لصحتها، وعند اطلاعه على ذلك الاستدراك رده برسالته الأخرى وأغلظ فيها ما شاء، والمستفاد من جميع ذلك أن اليد لصاحب الترجمة في أصل المسألة الفقهية وإن ارتكب في أثناء ذلك أشياء لا تنهض في الرد لكن على كل حال هي شاهد عدل على فقهه وقد وقفت على تقريظ لهاته الرسالة البارودية من شعر الشيخ محمد الشحمي وذلك قوله: [الكامل]

غاصت سوابحُ فكره في أبحرٍ ... من رائق العلم السني المجدودِ

فسعت من الدر الأنيق نفائساً ... ما رامها إلا بكف الجود

كم حبّرت أقلامهُ بدفاترٍ ... تهدي إليك من العطا الممدود

العالمُ الأسنى حسينٌ من غدا ... في فضله يزهو بغير جحود

كم مشكلٍ أعيا جهابذة الورى ... أضحى إليه بذلّةِ المصفودِ

حتى أقر الجاحدون بما رأوا ... وانقاد للتسليم كلّ حسودِ

لا تعجبوا إن شق مصمت صلدها ... شقّ الجبال بقوة البارودي

وكتب عليه أحد الشعراء في ذلك العهد بيتين فيهما تعريض بنسبة الشيخ لطف الله للتشيع وحاشاه من ذلك رضي الله عنه وهما: [الوافر]

إذا نقلَ الثقاتُ فروعَ فقهٍ ... مفرّعةٍ على أصل متين

<<  <   >  >>