وحفظ القرآن العظيم في بلده ثم قدم إلى تونس في طلب العلم، ونزل بالمدرسة السليمانية وقرأ على شيخها الشيخ الطاهر بن مسعود مختصر السعد والأشموني والخرشي، ثم تنفل لمدرسة جامع صاحب الطابع فقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي البخاري والمختصر الخليلي بشرح الدردير والسعد والدرة والبيضاوي، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي مختصر السعد والمحلي، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة الدرة، وقرأ عليه الأشموني ومختصر السعد. وقرأ بجامع الزيتونة على كثير من العلماء منهم الشيخ محمد بيرم الثالث ومنهم الشيخ حسن الشريف قرأ عليه الخرشي والأشموني بمدرسة حوانيت عاشور، وقرأ على الشيخ محمد المناعي والشيخ إسماعيل التميمي نبذة من شرح الشيخ عبد الباقي، وقرأ على المولى الجد الشيخ محمد السنوسي كتباً من المعقول والمنقول وقرأ مختصر السعد على الشيخ أحمد بن الخوجة نقل عنه أنه عرض لهم مبحث أطنب فيه السعد في مطوله ولما استوفى الشيخ تقرير كلام المختصر قال له بعض الحاضرين إن المطول فيه مسودة مهمة وناوله نسخة المطول فطالعها الشيخ وتريث قليلاً ثم قررها بجميع ما كتب عليها من المحشين وحسبك بذلك دليلاً على تحصيله.
ثم إن صاحب الترجمة آذنه الشيخ إبراهيم الرياحي بالإقراء بمسجد بالحلفاوين وكان فيمن قرأ عليه هنالك الشيخ حمدة بن عاشور والشيخ الطيب الرياحي وختما عليه الخبيصي وغيره وشرح المكودي على الألفية وأنشد بين يديه في الختم الشيخ الطيب الرياحي قصيدة مثبتة في شعره قال في مطلعها:[الطويل]
أحنّ إلى لقياكم جيرة السَّفح ... عسى أن أداوي جرح قلبيَ بالشرح
ثم في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف قدمه الأمير حسين باشا قاضياً بالكاف وشاع له صيت في الفقه والإنصاف وله مراجعات مع شيوخ الحاضرة في كثير من المراسلات أنبأت على رسوخ قدمه في المعاملات وبعد حين ولي الإمامة والخطبة بالجامع الكبير كما ولي مشيخة المدرسة الحسينية هنالك وأقرأ كتباً كثيرة منها البخاري بالمدرسة والدردير بالجامع وكتب في النوازل الفقهية كتائب محررة.
ولم يزل صيت علمه يعظم وهو متلبس بالخطة المذكورة ببلده إلى أن توفي كبير أهل الشورى الشيخ إبراهيم الرياحي فرأى المشير أحمد باشا باي أنه لا يسد ثلمته المذكور، فأرسل إليه وأحضر المجلس الشرعي بباردو وقدمه من أول وهلة كبيراً لأهل الشورى في شوال سنة ١٢٦٦ ست وستين ومائتين وألف.
وهنأه بذلك الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي الضياف بمكتوب نصه: لم أقدر والله نهني الخطة أو نهنيك، وبماذا أثني عليك والذي ملأ الأكوان يكفيك، أبقدمك الموجب تقديمك، أم بحديثك الموجب حديثك، ومن لي بجامع كلمة العلم بعد انتشارها، ومقيل عثارها والآخذ بثارها، والمخلد لآثارها، علم التقوى، وعماد الفتوى، بل ركن العلم الأقوى، الذي أخذ رايته باليمين، أبي العباس أحمد بن حسين، رئيس فتوى المالكية بهذه الحاضرة التونسية لا زالت أراؤه سديدة، وتصرفاته حميدة، وأزمة النفع به مديدة، ميمونة سعيدة.