للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما بعد السلام التام، المؤدي لحق المقام، كل ما حنَّ مشتاق إلى اللقاء ومال، وبلغ من ذلك الآمال وحمد غب الأعمال، فإن الإنسان كما علم سيدي أسير الأقدار، مسلوب الاختيار يلقبه الفاعل المختار، إلى كل ما يختار، وقد اختارك لهذا المنصب الشريف وهو أعلم باختياره، ولا ينازع في مقداره، وقدم على مصلحتكم مصلحة عباده، وهو أعلم بمراده، فطب سيدي نفساً، ودم سروراً وأنساً لا تحرك في ذلك حدساً لأن من قلدك لهذه الأمانة تكفل لك سبحانه بالإعانة حيث لم تطلب بلسان مقال، بل ولا بلسان حال بل كرهتها والترحال، قال والله تعالى في كتابه المنزل على من أرسله بشيراً ونذيراً (يوجد آية) [النساء: ١٩] ونحن نحمد الله ونشكره على بلوغنا المراد حيث لم يرنا في مقام شيخنا إلا أعز تلامذته الجهابذة النقاد، وما حصل لنا في ولايتكم من البشرى كاد أن ينسينا مصابه الذي هو الطاقة الكبرى وأشهد أنه كان قدس سره يتوهم في أوصافك الحسنى، ما أوتيته من المقام الأسنى، وأنه كان يدعو لك على ظهر الغيب ومات راضياً عنك بلا ريب وهذه بشارة أقدمها بين يدي تهنيتكم بالولاية، وتهنيتها بكم لكمال العناية، فإنك بحمد الله من رجالها وفارس مجالها بل أنت نادرة الدهر، وكفوها المولي لها بالمهر ولولا أن الله يقول (يوجد آية) [الذاريات: ٥٥] سيدي بنعم الله تعالى عليه التي تعجز شكر الشاكرين، ولولا عائق المرض، ومنع الطبيب من كل غرض، لأعلمت قدمي قبل إعمال قلمي، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك قله، فهذا حفيدي فلان وصحبته فلان تلميذيكم إن شاء الله ينوبان عن خالهما في الحضور الآن إلى بابكم وتهنئة جنابكم، وإن كنت أنا أحق بالهنا، والخطة أولى بذلك منا والله يعينكم على ما أولاكم كما جعل أوصاف الكمال حلاكم والسلام من معظم قدركم كاتبها بحمام الأنف غرة ذي القعدة الحرام سنة ١٢٦٦ ست وستين ومائتين وألف أحمد بن أبي الضياف.

وتقلد عند ذلك مشيخة مدرسة جامع صاحب الطابع، ولما توفي الشيخ محمد الخضار تقدم لإمامة جامع الهواء ومشيخة المدرسة التوفيقية، ولما توفي الشيخ علي الرياحي تقدم عوضه إلى إمامة جامع أبي محمد وكره الناس تقدمه للخطط المذكورة وبعضهم ينسب تقديمه عليهم لعدم حضور الشيوخ جنازة الشيخ محمد بن سلامة فتقدم صاحب الترجمة للخطط المذكورة ولازم داره منكمشاً في المراجعة والمطالعة، ثم خرج وأقرأ بجامع صاحب الطابع تفسير القاضي البيضاوي وشرح البخاري والمختصر الخليلي قراءة تحقيق وأقرأ غير ذلك. وظهر صدق الظن به فكان أفقه رجال عصره وهو عمدتهم في المجالس الشرعية إذا قال لم يترك مقالاً لقائل، وصار الشيوخ يحضرون داره في عويصات النوازل وهو يفيد بحسن فتاويه وتحريره.

وقد وقفت له على شرح الإحدى عشرة قاعدة التي انبنى عليها عهد الأمان الذي أصدره المشير الثاني محمد باشا باي فإذا هو عنوان تضلع في أصول الدين والقواعد الفقهية.

وله رسائل وتحريرات مسائل أجاب بها الشيوخ في النوازل العارضة منها ما كان مع الشيخ محمد البنا والشيخ محمد النيفر الأكبر وكتب حاشية على شرح الشذور لابن هشام تبلغ أكثر من عشر كراريس تعقب بها مباحث الشيخ الأمير، بما به التحرير، وكتب هوامش وحواشي على شرح التاودي على العاصمية تبلغ أيضاً عشر كراريس، وحواشي على عقائد الرسالة للشيخ ابن أبي زيد، وهوامش على بقية الكتاب كما كتب حواشي على شرح الخبيصي وحواشي على مقدمة ابن هشام كل ذلك عند إقرائه للكتب المذكورة.

وله في النوازل الفقهية كتائب كثيرة تصدى ولده الأكبر المدرس الشيخ حسين لجمعها كما جمع حواشيه السالفة.

ولما أراد والدي جمع منظومة جده لقط الدرر وقد كادت أن تتلاشاها الأيدي ساعده على ذلك فجمع نلك المسائل مسألة مسالة كل واحد في بابها لأن الناظم نظمها على حسب ما عرض له من المسائل بدون ترتيب، وواظب في هذا الصنيع الجميل نحو سنتين يرتبها وكان اتفق له أن توقف في بعض المسائل في أي باب يجعلها فرأى الناظم في النوم وأعلمه بأن المسألة من باب التجهير ولما راجع وجدها منه فكان هو صاحب مزية جمعها جزاه الله خيراً.

<<  <   >  >>