أما رأيت بدور العلم طالعةً ... في أفقه بيننا تغني عن السُّرج
فارتجل الشيخ محمد القرشي إجابته بقوله:
قد بشر القلب بالأفراح والفرج ... والأمن من سطوة الأتراح والحرج
مهما نظرت محيا اللمعيَّ أبي ... إسحق أغنى عن الأصباح والسَّرج
واتفق أيضاً أن العالم الشيخ محمد بن الفقيه كان إذ ذاك مقيماً ببلاد سلا بمرض الحمى ولم تمكنه زيارة إبراهيم برباط الفتح فكتب من سلا يعتذر إليه بقوله: [الكامل]
اسمع أبا إسحق قولي واعذرِ ... فلعلَّةٍ قد كان عنك تأخُّري
ألمُ وعافاك الإله يلمُّ بي ... في كل أسبوع مراراً يعتري
ما دأب مثلي أن يغضّ جفونه ... عن مثل سؤددك المنيف الأشهر
عندي إلى لقيا الأحبة مثلكم ... شوقُ الجديب إلى السحاب الممطرِ
لا سيَّما من في العلوم مكانكم ... يهوى السماك بلوغه والمشتري
وإليهمُ علمُ القريضِ قد انتهى ... وأناخ فيهم بالرحيب الأبهر
أخلاقكم تحكي النسيم لطافة ... ووجودكم مثل السحاب المسفر
شوقي إليك وإن نأيت مضاعفٌ ... لم يحكَ فيه تجلدي وتصبري
مذ راقني درٌ نظمتَ فريده ... لأجلَّ جيد في الزمان وأفخر
الدر في خدر البيان خردية ... تختال في حلل البديع الأنور
يربي على حسن الخرائد حسنها ... وبهن في كل المحافل تزدري
أخريدةٌ لاحت لنا من خدرها ... في بهجة وتبرَّجٍ وتبخترِ؟
أم روضةٌ مطلولة قد رصَّعت ... بزبرجدٍ من نورها وبجوهر
من أحمرٍ قان وأبيضناصعِ ... يققٍ وأصفر فاقعٍ ومعصفر
أرواحها تهدي لناشقها شذا ... نسرينها وبهارها المتعطر
بل حلة حيكت بأطرزة النهى ... عن فكرة جادت وحسن تدبر
ما خسرواني الدمقس وعصبه ... ما حوك صنعاء الأنيق وعبقر
جمعت يواقيت الثناء فأشرقت ... أنوارها تغشي نواظرَ مبصر
أوصاف ميمونِ النقيبة سيدٍ ... ورث الخلافة أكبراً عن أكبر
قطب المفاخر والمآثر والنَّدى ... ومكارم الأخلاق سامي العنصر
سبط الرسول إمامنا العدل الرضا ... عون الضعيف ونصرة المستنصر
أودعتها سحرَ البلاغةِ كلَّه ... وقلائدَ العقيان غير مقصر
اابن الحسين بمحسن مهما تلح ... كلا ولا ابن نباتةٍ والبحتري
لله درك من أمير براعةٍ ... لسنٍ لدى أهل القريض مصدّر
ليث القريض رئيس زمرة أهله ... وزعيمهم مهما القرائح تنبري
وإذا بناديهم حللت فإنهم ... خرسٌ شقاقهم وإن لم تزأرِ
لله تونسك التي بوأتها ... كم أحرزت بعلاكمُ من مفخر
مني عليك تحيةٌ نفاحاتها ... تربي على مسكٍ يفوح وعنبر
ما غرَّدتْ قمريةٌ في دوحةٍ ... وبدا سنا ذاك الجبينِ الأزهر
وتلا محبُّكمُ المخلُ بحقكمْ ... اسمكعْ أبا اسحق قولي واعذرِ
فأجابه الشيخ ابراهيم الرياحي عن ذلك بقوله: [الكامل]
روحي فداك من الملمِّ المعتري ... ولوَ أنه يبتاع كنتُ المشتري
وأنا الذي بتخلُّفي أصبحتُ في ... ندم فيا ويلاه إن لم تغفر
يا خير من حسد العقودُ قريضه ... فتناثرت منها "صحاح الجوهر"
وأجلّ من ذان القريضُ لطبعه ... وبنثره سحرَ النهي إن ينثر
وأرق من ساري النسيم إذا انبرى ... لطفاً وأسوغ من زلال الكوثر
أعني الهمام ابنَ الفقيه محمَّداً ... شيخَ الهداة وقدوةَ المستبصر
ومن العلومُ بنقده وذكائه ... تزهو على الحور الحسان وتزدري
الدرسُ لا يهوى سوى تقريره ... وسواه لا تهوى مراقي المنبر
وإذا لثام الجهل غطَّى مشكلاً ... كشف اللثامَ عن الجبينِ المسفر
ببراعةٍ من دون نيل أقلّها ... حربُ البسوس وهولُ يوم المحشر
يا عاذلي في حبه أقصرْ فما ... أنا عن هواه المستلذِّ بمقصر
ما كنت فيه مقلداً غير الهوى ... فأطلْ ملامك بعد ذا أوْ قصرِّ
إن كنتَ تسمع ما سمعت فإنَّني ... من حسنه أبصرتُ ما لم تبصر
تسليك منه فكاهة فكأنَّها ... راحٌ براحةِ أغيدٍ متبخر