قد أجزت أخلي الملتمس المذكور، كان الله ولي وله في جميع الأمور، بمثل ما أجازني به أحد جلة مشايخي الذين عليهم اعتمادي، وإليهم فيما حصلت استنادي الشيخ العلامة الخير الثبت الفهامة نادرة وقته في الفروع والأصول وحيد عصره في المعقول والمنقول ذي النزاهة والزهادة والتبتل في العبادة الذي أرجو له من فضل الله الكريم أن يقدس سره ويهب له من الخيرات ما لا يتناهي، مولاي وأستاذي المفتي السيد الشريف أبي عبد الله سيدي محمد بوهاهأن قدس الله بروحه، ونور صريحه، وأسكنه من أعلى الجنان فسيحه، وسندي في صحيح البخاري عنه رحمه الله عن شيخه أربي المحاسن يوسف بدر الدين المدني عن شيخ المحدثين بالحرمين السيد زين باعلوي المدني الشهير بحمل الليل عن شيخه المعمر محمد بن سنة العمري الفلاني، عن العلامة أمد بن علي العباسي، عن السيد غضنفر النقشبندي، عن تاج الدين عبد الرحمن الكاروني، عن الحافظ أبي الفتوح أحمد الطاوسي عن المعمر بابا يوسف الهروي، تعن الشيخ المعمر محمد بن شاذبخت الفرغاني، عن الشيخ المعمر أبي لقمان يحيى الختلاني، عن الإمام محمد بن يوسف الفربري، عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، ورحمنا به. وعلى نحو ما أذن لي شيخي في إجازته لي أذنت، وشرطي له مثل ما شرط أستاذي علي، ووصيتي بمثل ما كان منه إلي، وأسأل من أخي المجاز الصفح والإغضأن وأن ينظر بعين الرضى، فإن مثله من الكرام ممن يستر الزلات، ويتجاوز عن الهفوات وإن شغل البال، وتكاثر الأشغال، وستحمل عن ألأثقال مما يقبل به الكريم المعذرة، ولا يكلفه فوق المقدرة.
وأسأله أن يدعو لي في خلواته، وعند أدبار دروسه وصلواته، وأقول قولي هذا وأستغفر الله من الخطأ والزلل، وأسأله أن يحمل أمورنا على السداد في القول والعمل، إنه لا يخيب من سأل كتبه العبد الفقير، ذو العجز والتقصير، محمد صالح بن قاسم ابن الحاج علي الجودي التميمي قاضي مدينة القيروان وعملها غفر الله له ولوالديه وسائر المسلمين آمين، وكتب في ٢٨ محرم الحرام سنة ١٢٩٢ اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبويه على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
لخصت عوارض هاته الرحلة في عجالة سميتها (سموط الدرر في لطائف السفر) جمعت فيها آداب السفر المذكور وهذا نصها بما احتوت عليه: بسم الله الرحمن لرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم حي الله معالم السفر إلى البدو والحضر، وإن كان سبباً للاغتراب، والتنائي عن ألأهل والأتراب، إذ به يعلم الإنسان، عجائب ما أودع الله في هذا العمران، فيرى من اختلاف الألوان والألسن والأخلاق في جنس البشر ما يفيد العبر، ويحنكه بتجارب العادات التي يرتاح بمعرفتها من الشحناء والمعاداة، ولاسيما إن كان المسافر من الدهاة، الذين يتقبلون في ملابس السفر التحيل ليحصلوا على الخبرة والنجاة، فهذا لا محالة يحصل على مزية السفر دون عنا ويبلغ بأحبولاته إلى غاية المنى، هذا إن تخلق بأخلاق أولئك الأمم، وتباعد عن العادات التي كن في سلك الناس بهذا قد انتظم، أما إن داخلهم بأخلاقه التي لم تكن عندهم مقبوله، ولو كانت ترضي الله ورسوله، فلربما يقع فيما يتجنب، ولم تنفعه عادته التي كان فيها يتقلب، لا جرم أنه يحصل له بذلك مزيد تحقيق، لما لا يعود به إلى ولوج ذلك المضيق، فغاية الاستفادة تحصل لا محالة للمسافر، مهما سفر عن التقاعد تلك المسافر بيد أن الخبير يستسقي ذلك الضرب خالص الشراب، والمختبر يتجرعه مشرباً بنطة من للضباب، وإن كان لابد من أن يحصل من التربية والتجربة على أوفر النصاب، وينال بذلك معارف صالحه، أو تجارة رابحه:
إن تجد بين البراري طائفاً ... فاحسبنه قد جنى لطائفا
يلتقي الأرباح في متجره ... أو يرى يحوي به المعارفا