للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولولا تداخل بعض أهل العلم والصلاح لانتهى أمر الدولة الحسينية لا أمر الدولة الصادقية مع ما انضم إلى ذلك من دهاء بعض الوزراء وبعض رجال الحكومة حينذاك فإنهم أنقذوا الدولة من الانهيار.

وتحقيق النظر في هذه الثورة العارمة يحتاج إلى كتاب خاص، وإنما نقتصر في هذا الملحق على بيان مواقف ثلاثة من المؤرخين التونسيين وهم: الشيخ السنوسي في مسامرات الظريف.

والشيخ محمد بيرم الخامس في صفوة الاعتبار.

والشيخ الوزير ابن أبي الضياف.

إن موقف الأول من هذه الثورة موقف تزلف وتدل على الحط من أحد رجالها وهو علي بن محمد بن غذاهم حيث وصفه بما انتقدناه عليه.

فهو لم ينظر لها نظرة تاريخية، بل نظر إليها بغير منظار المؤرخ النزيه ولولا أن الواقف على كتابه الذي أخرجته للطبع يغتر بكرمه ما كنت أتوسع في الكلام على هذه الثورة.

وثاني المؤرخين الثلاثة هو الشيخ محمد بيرم الخامس قد كانت له إحن في نفسه على الوزير مصطفى خزنه دار حيث أدمج في أسباب الثورة أنها ترمي إلى المطالبة بعزل خزنه دار.

(وحاصل مطالب الجميع إبطال الداء الجديد وعزل الوزير مصطفى خزنه دار ومحاسبته، فامتنع الوالي أولاً من جميع مطالبهم فاشتد الكرب على الحكومة) .

وأكد هذا بما نسبه إلى الوزير خزنه دار.

ومن وقتئذ أيدي العدوان على الأهالي بسلب الأموال، والقتل والضرب بالسياط المؤدي إلى القتل لأن الوزير اشتد حنقه عليهم حتى انه دخل عليه أحد الأعيان يوماً وهو يقول: طلبوا دمي أرضى إلا بدمائهم، طلبوا مالي فلا أرضى إلا بأموالهم.

لعل مراده بطلب دمه هو طلب عزله، وقد اعتادوا في بعض الوزراء السابقين قتلهم فظن أن العزل يؤدي للقتل وإلا فنفس قتله لم يطلبه أحد.

أما المال فنعم فقد طلبوا حسابه.

أدمج صاحبة صفوة الاعتبار عزل الوزير مصطفى خزنه دار في مطالب الثورة مع أنه لم يأت بدليل يدل على ذلك إلا ما أخبره به أحد الأعيان الذي قال له إنهم طلبوا دمي أرضى إلا بدمائهم.

وثالث المؤرخين وهو أولهم في كتابة التاريخ التونسي وأقعدهم في كتبته الشيخ الوزير ابن أبي الضياف وهو أشد المؤرخين تحرياً في كتابة التاريخ فتاريخه مدعم بالوثائق التاريخية التي توقفك على عين الحقيقة.

وعين الحقيقة في هذه الثورة العارمة أنها مقصورة على طلب إلغاء الأداء الجديد دون التعرض لعزل مصطفى خزنه دار.

وقد وضح هذا صاحب الإتحاف أتم توضيح فيما كتبه قبل صاحب صفوة الاعتبار.

فبين أن قنصل فرنسا شارل دوبوفال (Charles de Beauval) اغتنم هذه الفرصة للتداخل في أمر الولاية وأحكامها فأتى إلى البي يوم الجمعة ٢٣ من ذي القعدة (٢٩ أفريل ١٨٦٤) ومع أمير الأسطول الفرنسي والقائم مقام (كنبنو) الذي كان من معلمي الجند التونسي وتخلى عن ذلك.

وحين دخولهم على الأمير وجدوا معه مصطفى خزنه دار فطلبوا منه إخراجه فتشدد الباي في ذلك.

وابتدأت المحاورة بين الأمير والوفد الفرنسي الذي طلب إبطال عهد الأمان فبين له الأمير انه أعطى عهده على إتمام عهد الأمان وأن أخاه هو الذي أعطى ذلك.

ثم طلب الوفد تبديل المأمورين في الخدم السياسية فأجاب الباي بأن ذلك غير ممكن في وقت هذه الثورة لأن ذلك يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

وطال الجدال بين الأمير ومحدثيه من الفرنسيين في شأن تبديل الوزراء وفي طالعتهم مصطفى خزنه دار.

وفي هذا المجلس أساء القائم مقام (كنبنو) إساءة لا تحتمل حتى أن القنصل الفرنسي أسكته ولما بلغ الأمر مبلغه من الإهانة مرض الأمير.

ثم إن الأمير جمع رجال الدولة من وزراء وغيرهم وأخبرهم انه لا يتنازل في شان تبديل الوزراء فقال وزير مصطفى خزنه دار أنا أسلم وأصر على تسليمه الوزير خير الدين وهو مصطفى خزنه دار نفسه.

لكن تغلب الرأي الذاهب إلى عدم الرضوخ إلى مطلب القنصل الفرنسي لأن فيه تدخلاً في الشؤون التونسية وذلك مفض إلى أن تصبح تونس محكومة من طرف القنصل الفرنسي.

ولم يكتف التدخل الفرنسي بعزل الوزراء بما أرادوه من إرغام الأمير عليه فأضيف إلى ذلك مكاتيب مرسلة إلى العروش التونسية ومن نماذجها ما نقتطفه من بعضها.

<<  <   >  >>