للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم جمع الوالي وزراءه وأعلمهم متأسفاً من مطلب أهل الشريعة بأنه يريد أن يجعل مجلساً مركباً منهم أي من الوزراء ورؤساء الإدارة دون غيرهم من الأهالي للنظر في المصالح وجريان السياسة، فأجابوه بأن ما يظهر له حسن فهو حسن.

وكان هذا الجمع من الوزراء والمستشارين مشتملاً على جميعهم حتى أن الوزير حسيناً كان إذ ذاك قدم من إيطاليا لمصالح في مأموريته فصادف الواقعة، وكان ممن وافق الوالي على رأيه في جعل المحتسب والمحتسب عليه واحداً خلافاً للمعقول، ولما يعلم من طبعه من لزوم الاحتساب الحقيقي على تصرف المأمورين بثقاب من الأهالي إلى غير ذلك من أوجه العدل ومع هاته الموافقة فلم يسلم من القدح.

ثم إن الوالي أرسل لأهل الشريعة يعلمهم بأنه أشأ مجلساً مؤلفاً من عشرة أعضاء تحت رئاسة الوزير ابن إسماعيل، وأعضاؤه: الوزراء والمستشارون وبعض رؤساء الإدارة ولما بلغ لأهل الشريعة ذلك قالوا ليس قصدنا المتوظفين لنهم دائماً تحت الأمر، ولا خبرة لهم بما في أطراف القطر، وإنما المراد أن يكون المجلس من الموظفين والعلماء وأعيان من البلاد والعربان، ولا أقل أن يكون عددهم ثلاثين عضواً وأنهم لا يقصدون إلا مصلحة البلاد لأنهم ليس لهم غرض إلا هناء القطر وهناء الوالي، وقيل غن قنصل فرنسا صرح بأنه لا يعترف بالمجلس وانه أراد الوالي الاستعانة بعساكره لردع الطالبين فهو حاضر له حيث إن طريقة الوزير هي التي تبلغه إلى قصده كما ذكرناه في محله، ثم لما بلغ الوالي جواب العلماء أرسل إليهم بأنه يزيد اثنين من رؤساء الموظفين وان هذا المجلس ينظر فيما يقتضيه الحال من الكيفية ويجري العمل به، وكان في أثناء بلا مستند، فرضي عمدتهم بذلك، وكان سبباً في تمكن الفيض على الأجنبي بلا مستند، فرضي عمدتهم بذلك، وكان سبباً في تمكن الفيض على من زيد حيث انتهى رضا المقترحين عند ذلك وصرح الوالي بما يشف عن ذلك والله المطلع على السرائر، ثم جعل هذا المجلس في نفس الأمر إذ اجتمع يعرض عليه ما يريد الوزير والأغلب أن يكون المعروض هو بعض النوازل التي تعرض بقلة ولما كان أغلب الأعضاء يسايرون الوزير لم يظهر لوجوده من أثر غذ لا يتداخل في نصب ولا في عزل ولا سيرة عامل أو رشا، وشاهد ذلك الخارج فإنه لم يمض عليه شهران حتى وردت الرسل على شيخ الإسلام بأن يتشفع في الجاني على الشرع فلم يوافق جهرة بل أظهر زيادة الامتناع ثم سودت سراً بطاقة إلى المنفي ليكتب على نمطها مكتوباً لأهل المجلس الشرعي ولما ورد مكتوبه على نحوها إلى الوالي مستشفعين بعد أن امتنع بعضهم وقيل عندما سمع بذلك ليت شعري ما هو وجه كتبهم مع علمهم بالحقائق".

ومنها أنه شرع الوزير إثر ما تقدم في بناء دار شيخ الإسلام المذكور بتونس وكذلك داره بجيل المنار وكثر تردد تابعه الجاني المذكور عليه حتى نشأ عنه قيل وقال (صفوة الاعتبار ج?٢ من ص١١٠ إلى ص١١٣) .

ومن الذين امتنعوا الشيخ القاضي المالكي حتى هدد بالإعدام كما جاء في بعض المذكرات لأحد أتباع الوزير مصطفى بن إسماعيل.

وهذه الحركة التي قام بها المجلس الشرعي هي أول حركة نبعت من الزيتونة لإصلاح الوضع ولإقامة نظام برلماني تتمثل فيه الأمة أتم تمثيل، فهي حركة القصد منها إعادة نظام عهد الأمان الذي ألغي بسبب ثورة علي بن غذاهم، وقوى النفوس أن الوزير خير الدين الوزير المصلح كان صدراً أعظم فوجده في صدارة الدولة العثمانية كان في حسبانهم أنه يؤيد حركتهم النابعة من رجال الشرع.

والباعث ليس اعتداء على القاضي المالكي الشيخ محمد الطاهر النيفر لما أراد إجراء الحق وإنما كانت النفوس ملأى بالحنق من أجل تصرفات الوزير مصطفى بن إسماعيل تلك التصرفات الشاذة التي ذكر الكثير منها صاحب صفوة الاعتبار، فرجال المجلس الشرعي أرادوا أن يعبروا عن رغبة الأمة في إنهاء الأعمال التعسفية التي قام بها الوزير مصطفى بن إسماعيل وأتباعه.

ولولا ألاعيب هذا الوزير بالاغراءات التي أنساق البعض القليل من رجال المجلس الشرعي إليها لكان لهذه الحركة أثرها في إنقاذ الأمة التونسية.

وما المجلس الشوري الذي نوه به صاحب مسامرات الظريف إلا ذر للرماد في العيون.

والعجب من الوزير حسين مستشار المعارف كيف وافق على هذا المجلس حتى كان أحد أعضائه فانتقاد صاحب صفوة الاعتبار عليه انتقاد وجيه.

<<  <   >  >>