للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل الوالي يسوف العقد من وقت إلى آخر وجعل الوزير يسعى في إحداث وجه لتداخل فرنسا وإنقاذها أمرها، فأكثر من الرسل السرية غلى الآستانة متطلباً أن يدعى هو إليها رسمياً أو يرسل بعض الأسطول العثماني إلى مرسى تونس مع إظهار زيادة التشيع إلى الدولة العثمانية حتى لا يتفطن إلى مساعيه الباطنية، فلم يساعف من السلطان في مطلبه غذ لم يكن له من داع، كما انه لم تفد في الدولة العثمانية الإيقاظات غلى دسائسه وعزمه حتى تسعى في سعة لدفع الغوائل المتوقعة إذ من المعلوم أن التدخل السياسي هو كالمرض المزمن الذي لا ينجح فيه العلاج غلا تدريجياً عند أول حدوثه سيما إذا كانت الدولة المعالجة محتاجة غلى استمالة غيرها من الدول القوية غلى معاضدتها على قرنها القوي، ومع ذلك أيضاً قد عكر الوزير ابن إسماعيل حالة الخلطة مع إيطاليا لعلها تعلن على تونس الحرب ومنح للفرنساويين منحاً لم يطلبوها مما يزيد في نفوذهم والشحناء معهم كما تقدم ذكره في المطلب الثامن من أحوال تونس، ولما لم تنجح جميع تلم المساعي التي كان يمكن لفرنسا الاستناد إليها في وضع حمايتها على تونس أحدثوا أقاويل في إهمال حقوق الفرنساويين، وأظهر الوزير المذكور الاستخفاف بقنصل فرنسا، ومال عنه كل الميل ظاهراً، ورام أن يظهر التعطيل في إجراء المنح التي أنالها إلى الفرنسيين بأوجه من الاعتذارات، حتى أغرت رعايا فرنسا بتونس على أن تكتب تقريراً للتشكي من ضياع حقوقهم وطلب دولتهم للانتصاف لهم، فلم يرع الأمم إلا أن فرنسا جلبت بخيلها ورجلها على حدود تونس معلنة بأن قصدها غنما هو حفظ حقوقها من جهة الحدود وغيرها واستندت في عملها لما تضمنته لائحة وزير خارجيتها إلى سفرائه.

وهذا نص تعريبها: "باريس في ٩ ماي ١٨٨١ أيها السيد أتشرف بأن نرسل لكم جملة رسائل في شأن تونس ونريد أن نحقق لكم المقصود إجمالاً ونخبركم عن سبب إرسال العساكر الآن وعن النتيجة التي نرجو إتمامها فكم من مرة قد عرفت الدولة الجمهورية بدواعيها ومقاصدها وأنتم تتذكرون ذلك خصوصاً ما صرح به السيد رئيس الوزراء في المجلس العام وهو لا يمكن أن يكون فيه أدنى شك من جده وصدقه ومع هذا فإني أريد زيادة إيضاح لكم لينفعكم لدى الدولة التي أنتم عندها فنقول إن سياسة فرنسا في تونس ليس لها إلا مقصد واحد وهو المقصد الذي يكفي لوضوح موضوع سيرتها منذ خمسين سنة نحو المملكة هو الواجب علينا لحفظ راحة مستعمرتنا العظمى الجزائرية فمن سنة ١٨٣٠ لم تأت دولة من الدول المتابعة وتركت هذه المهمة العظيمة وإنا لنعمل الواجب علينا لحفظ مستعمراتنا الإفريقية التي لا يوجد أحد من أروبا انكر علينا ذلك فيها لحفظها من جار عدو كثير الأراجيف وقد كانت القبائل التونسية مخوفين ومحاربين حتى فيما بينهم، وقد فاق على الجميع قبائل وشتاتة والفراشيش وخمير ولا تعرف كمية المحاربين ولا كمية قوتهم، فلذلك التزمنا الآن أن نرسل من العساكر عشرين ألفاً وهذا مما يدل على قوتهم أي الأعداء المتحصنين في بلاد منيعة تقريباً وكان الداعي الأول لإرسال العساكر هو قهر قبائل حدودنا الشرقية ولكن لا فائدة في تقرير الأمن والراحة وأعداؤنا ما زالوا يهددوننا ونحن لا نخاف من الهجوم الكبير لباي تونس إذ كان منه وحده لكن النظر القليل في العواقب ألزمنا التحري من اتحاد الباي مع غيره، وهذه التشويشات يمكن أن يأتي لها وقت وتقلقنا كثيراً في الجزائر وتصل حتى لفرنسا، فيلزمنا بناء على ما ذكر أن يكون لنا عند الباي محبة كبيرة واتفاق قلبي ويلزمنا جار يعوضنا المحبة التي لنا عليه ولا يسمع التشويشات الخارجية لضررنا وأستحقار قوتنا الراسخة.

<<  <   >  >>