للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحت الحماية الفرنساوية يمكن أن تزال جميع الحجب عن المنافع الطبيعية في هاته البلاد وتنتشر بقوة، وبشدة الترتيب الجديد نقدر أن نزيد أشياء أخرى وهي أنه إذا كان الباي يعتمد علينا في الترتيب الداخلي في المملكة فإنا نفعل تعديلاً لازماً قاراً، وهذا الخير الذي يسهل علينا عمله منه ترتيب كيفية قبض المدخول وترتيب المخروج وترتيب دفاتر الحساب على مقتضى ما نستعمله نحن في ماليتنا ومنه أيضاً خير عظيم وهو ترتيب العدلية على الأصول التي فعلتها الدول في ترتيب العدلية في مصر، وفائدة هذه التراتيب لا ترجع لفرنسا وحدها بل إن المملكة يرجع لها النفع وكذلك لجميع الدول المتمدنة التي نحن منها ومن غير فتح ولا حرب.

بل إن المملكة يرجع لها النفع وكذلك لجميع الدول المتمدنة التي نحن منها ومن غير فتح ولا حرب.

فلا شيء يمنعنا من عملنا في تونس مثل الذي فعلناه في جزايرنا والذي فعلته إنكلترا في الهند إذا نحن جعلنا باي تونس متكفلاً بمطالبنا الحقانية فهو دليل على ما نحسبه دائماً من أن تونس مملكة مستقلة من غير أن نراعي بعض آثار للتبعية بالاسم فقط لبعض أسياد قد تركوها منذ عدة قرون وقد تظهر تلك التبعية نادراً، وإن تحسب المدة التي هي فيها مستقلة لكانت اكثر من مدة التبعية ففي سنة ١٥٣٤ أخذها المشهور بباربورس خير الدين أربع أو خمس مرات بانتصاره على الإسبنيول وفي العام الذي بعده أخذها شارل كان وكذلك في سنة ١٥٥٣، ثم أخذها داي الجزائر سنة ١٥٧٠ ثم أخذها دون جوان النمساوي سنة ١٥٧٣ ثم في طول القرن السابع كانت تحت ظلم الإنكشارية من غير حكم ورؤساؤها الموسومون بالديات كانوا إذ ذاك أربعين فقسموها تقريباً كالمماليك الذين قسموا مصر.

ثم في سنة ١٧٠٥ كان أحدهم المسمى بحسين بن علي الذي أصله كريكي أو كرسكي صار مسلماً وكان هو أحذقهم فعرف كيف يشدهم وقتل جميعهم واشتهر بالباي، وبعصبيات العساكر أقام العائلة الحسينية ومن ذلك الوقت لم تزل الإمارة فيهم على هيئة السيادة الإسلامية والآن ٢٠٠ سنة تقريباً وهم مستقلون والرابطة الحقيقية بينهم وبين الباب العالي هي رابطة دينية وهم يعترفون بالخليفة إلا انهم ليسوا تحت السلطان.

ومما يوضح هذا انهم لا يدفعون له أداء إلا انه عند ولاية كل باي يرسل هدية غنية تعظيماً لرئيس الديانة القاطن بالقسطنطينية وفي باقي مدة الولاية فلا مسألة سياسية يمكن أن تذكر غير هاته التحية الودادية فليس لأمير المؤمنين حق آخر على الباي تونس.

والمملكة تعقد شروطاً كمملكة مستقلة مع الدول الأجانب وتعقد معهم اتفاقيات ويكون لها قوة وذلك برضا الباي فقط وعلى هذا النمط وقعت معاهدة مع فرنسا في سنة ١٧٤٢ وكذلك في العام الثالث والعام العاشر في سنة ١٩٢٤ وهكذا صارت المعاهدة المهمة في ٨ أوت ١٨٣٠ التي تمنع تملك العبيد والتلصص في البحر، ولا يلزم التكلم على المعاهدات الباقية كالتي في حق صيد المرجان وأن الباب لا يحكم على الولاية إلا حكماً وقتياً وهو راض باستقلالها.

ومما يؤيد هذا أنه في القرن الثامن عشر لم يقبل تشكي دول أوربا من التلصص البحري والسعي البربري وليس له حكم عليهم وهو ليس مولاهم وهو لم يضمن السرقات التي جعلوها مخلة بتجارة البحر المتوسط وأن دول أوربا عملوا الحرب عشرين مرة مع المملكة من غير عقد الحرب مع تركيا، وفي سنة ١٩١٨ كانت معاهدة إكس لاشبيل قد حكمت على تونس بمنع التلصص البحري من غير أن تطلب من الباب التداخل على أنه متسيد على تونس وفي سنة ١٨٣٣ فمملكتا سردينيا ونابولي عملا مع تونس من غير عمله مع الباب لأنهم يرون مثل ما نرى أن تونس مستقلة.

<<  <   >  >>