ومن تأمل هذه اللائحة مع ما قررناه في سياسة تونس الخارجية ومقاصد فرنسا فيها لا يشك في أن فرنسا لم تكن تنازع قط في أن تونس من ممالك الدولة العثمانية، وإنما غاية دعواها هو أن تلك الإيالة لها امتيازات جارية تحافظ هي عليها لجل منافعها ويصدق ذلك تصريح وزير فرنسا دواروان دولويس في مجمع فيينا إثر حرب القريم لما سأل الوزير الروسي عن تعيين الممالك العثمانية للجهل ببعضها ومثل بتونس وأنه يتراءى فيها نزاع فأجابه الوزير الفرنساوي بأن لاشك ولا نزاع في كون تونس من الممالك الغعثمانية وإن كانت لها امتيازات تخصها وكذلك المعاهدات المعقودة بين فرنسا وتونس حتى التي وقعت بعد الاستيلاء على الجزائر بمدة طويلة يصرح فيها بأن سائر المعاهدات المعقودة مع الدولة العثمانية تكون مرعية الإجراء في تونس ولا يعزب عن عاقل أن ذلك التصريح لاتحاد تونس بالممالك العثمانية، ومع هذا كله لم يفد استصراخ الدول لأن فرنسا لم تعلن بعملها إلا بعد أن لمست أفكار الدول الكبيرة فوجدتهم غير معارضين لها لأن دولة إنكلترا متولي زمامها حزب الإطلاق الذي لا يرى نفع دولته في المحافظة على الدولة العثمانية بعد أن طال تجريبهم لها في الحث على الجريان على مقتضى نصائحهم ولكنهم لم يروا العمل دونك ما نشر في الكتاب الأزرق من المخاطبات التي وقعت من الحضرة السلطانية ورئيس وزرائها ومع سفير إنكلترا في الآستانة حسبما أهبر بها وزيره بعدة تلغرافات تنبئ بما تقدم فمنها تلغراف من مسيو غوشين (سفير إنكلترا) إلى وزير خارجيتها بتاريخ ١٩ نيسان سنة ١٨٨١ هاته ترجمته إني وجدت جلالته (أي السلطان) مشغول الفكر بهذه الأفعال وبناء على ما عندي من الإذن أعلنت له بأن الدولة الإنكليزية تريد بقاء الحالة الموجودة بتونس والنائب الإنكليزي له الإذن ليرشد الباي إذا استشاره بأن يعين فرنسا في تقرير راحة الحدود وغني أرجو أن جلالته يشير على الباي أيضاً بذلك فالسلطان سكت بعض دقائق ثم ظهر على وجهه الغضب وقال إنه فهم من كلامي أن الدولة البريطانية تريد إبقاء الحالة على ما هي عليه في تونس ولها نفع في ذلك وفهم أيضاً أنا أشرنا على محمد الصادق بأن يعين العساكر الفرنساوية فنبهت عظمته بأن قلت إن الدولة الإنكليزية تنتفع بإبقاء الحالة الموجودة ولكنها تظهر تمني ذلك فقط على هذه الكيفية ونحن نتأسف كثيراً من فتح مسألة جديدة في الشرق، وإنا لا نفتكر أنه توجد فوائد خصوصية لإنكلترا مربوطة بأي كيفية كانت في أحوال تونس، فعند هذا أجاب السلطان بأنه لم ير كيف يجمع بين رجائنا في إبقاء حالة تونس على ما هي عليه ومع ذلك نشير على الباي بأن يعين العساكر الفرنساوية فهذان الشيئان لا يتوافقان لنه على رأيه يكون دخول العساكر الفرنساوية إلى تونس ناقضاً للحالة الموجودة.