للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما دولة ألمانيا خصوصاً بأن الأولى للدولة العثمانية الإضراب هن هاته النازلة وأنها هي لا تتعرض لفرنسا بشيء والباعث لها على ذلك وجوه (أولها) إظهار عدم التجافي عن فرنسا التي لها عليها حقد أخذ الثأر (وثانيها) جذب أعداء ومضادين لفرنسا كالدولة العثمانية وإيطاليا حتى إذا أعلنت الحرب يوماً ما بين ألمانيا تجد ألمانيا الظهير على قوتها بما لذلك من الباعث الذاتي (وثالثها) أشغال فرنسا بفتوحات جديدة في أراض فسيحة وخلق كثير في أفريقيا ربما طال اشتغالها بهم حتى يبرد لهيب اخذ الثأر (ورابعها) إضعاف قوة فرنسا وقت الحرب إذ الأمم الذين تريد التسلط عليهم وإن لم يكونوا كفؤا لمحاربة فرنسا لخلوهم عن آلات الحرب والاستعداد لها لكنهم لما كانوا مسلمين واهل نجدة وشجاعة ومثافنة للحرب لا يلبثون دائماً أن يحدثوا عليها ثورات سيما إذا علموا بوقوع حرب بينها وبين أجنبي فتضطر فرنسا في وقت الحرب إلى أن تبقى قسماً عظيماً من جيشها محافظاً على ذلك المستعمر وذلك يفيد ألمانيا بنقصان قوة جيش خصمها في حربها (وخامساً) تمهيد السبيل إليها فيما تريد التعارض به بينها وبين النمسا لأن ألمانيا ليس لها مرسى على البحر الأبيض، وقد بقي من جنس الألمان تحت النمسا عدة ملايين حول الجهات التي قرب مرسى ترست فلو أخذت ألمانيا ذلك الباقي من الألمان مع تلك المرسى يكون ذلك غاية أمانيها ولكن ذلك لا يحصل إلا بحرب مع النمسا وقهرها أو بمعارضة ذلك لها بشيء يرضيها من ممالك الدولة العثمانية مثل أخذها ولايات مقدونيا ومرسى سلانيك الموازي ذلك لمت يؤخذ منها حسبما أشيع مراراً ولذلك كانت ألمانيا أول من بادر لأمر نائبها بتونس باتباع سياسة فرنسا فيها، وتبعتها على ذلك أيضاً النمسا لأنها ليست لها سياسة تخصها في تونس وهي لها مع ألمانيا عقد محالفة اتحاد على الذب والإقدام، ثم إنها لما مطامح في جهة بحر الجزر لتتمكن فيه بمواقع مهمة لكي تسلم في مرسي ترست إلى ألمانيا حليفتها حيث لم يكن لها مرسى في البحر الأبيض كما تقدم ذكره فلا تعارضها فرنسا عند العمل.

وأما إيطاليا فإنها تجرعت من لك الغصص وطوت على الضغائن التي لا تزال ولكنها لما كانت غير كفء بانفرادها لمعارضة فرنسا، واتحادها مع الدولة العثمانية أيضاً لا يجدي لاحتياج كل إلى المال مع ما فيه الدولة العثمانية من الحالة الداخلية والخارجية التي أعقبتها الحرب الأخيرة، فلم يسعها إلا السكوت وتحمل عرق القربة مع عظم الضغينة في عموم الأهالي والدولة إذ هي حريصة على إبقاء ما كان في تونس وكانت عند ملاحظتها مبادي الشر عرضت بالسعي السياسي مع الدولة العلية فلم يكن من المقدر قبول الانتباه لما أراده حتى أنكر الوزير العثماني على المأمور الطلياني التكلم معه في تونس وقال له إنها تابعة لنا دخل فيها لحد وعند هجوم فرنسا صار يتملق إلى ذلك المأمور لكي يمد إيطاليا اليد فقالت له مصداق المثل "الصيف ضيعت اللبن".

<<  <   >  >>