ويشهد صراحة للتواطؤ ما صرح به البارون بيانك الفرنساوي في تشرين الأول سنة ١٨٨١ بما وقع في هاته المسألة وأنه كانت أرسلته دولته حيث كان أحد مأموري الوزارة الخارجية لاستقراء أمر تونس وذلك في كانون الثاني سنة ١٨٨١ وأن الوالي أجاب إذ ذاك فرنسا بأنه يقبل الشروط إذا كان الواسطة فيها هو فرديناند لسبس لأنه كان يؤمل بواسطة المذكور الحصول على شروط أوفق له وأن الشروط إذ ذاك كانت غير التي قررت الآن ومع ذلك كله لم تعلم الدولة العلية بشيء وبه يعلم صدق الكلام في إضمار الوزير التونسي الشر للبلاد ولي بالخصوص أعمال النائب لفرنسا عند إمضاء المعاهدة أن طلب من الوالي نفي علي بالزي حالاً لكي لا يبيح بما وقع من الأسرار التي أطلع عليها فنفي إلى حصن قابس ثم توجه الوزير ابن إسماعيل إلى باريس في سفينة فرنساوية حربية شاكراً لإنعام فرنسا بتلك المعاهدة ومعلناً لها بأنه يصدق في خدمتها أزيد مما كان يبذله سابقاً كذا في عبارته الرسمية عند ملاقاته رئيس الجمهورية المنشورة في الصحيفة الرسمية فقلدته فرنسا بأكبر نيشان لها مع الشريط الأكبر ورجع إلى تونس ولم يلبث بضع أشهر حتى ورد المر على الوالي من وزير فرنسا بعزل وزيره ابن إسماعيل لأن نائب فرنسا بتونس توجه غلى باريس وتفاوض مع دولته فيما يسلكونه في تونس حيث غن الأعراب والجهات الجنوبية أعلنوا بأن الوالي لما بغى على الدولة العثمانية بدخوله تحت حماية فرنسا فهم لا يطيعونه لنهم بايعوا أمير المؤمنين سلطان الدولة العثمانية قديماً وحديثاً فلا يحل لهم الخروج عليه، وهرب على الوالي جميع عساكره فاضطرت فرنسا لتعبية الجيوش لتطويع الأعراب، وكان من جملة التدبير عزل ذلك الوزير الذي توقعوا منه أن يفعل معهم مثل ما فعل مع البلد الذي وصل فيها إلى تلك الدرجة وتحقق الوزير ما ضرب من المثل بوزارة العلقمي وغن كان هذا أي ابن إسماعيل قد امتاز بجميع خزائن أمراء تونس حتى كان آخر ما بقي للوالي من مفاخر الجواهر عقد لؤلؤ منظم سبحة بها مائة حبة مع حلية زمرد محاط بها الياقوت الأبي، فأعطاهما إليه عند سفره لباريس بعد العزل المذكور ورام بسفره إرضاء فرنسا عليه وإرجاعه إلى الوزارة وبقيت البلاد إلى الآن في حيرة واضطراب ودخلت العساكر الفرنساوية إلى قصبة الحاضرة وإلى منازل العساكر في المدينة وأمام قنصلية فرنسا وسكن رئيس العساكر الفرنساوية بدار المملكة في بطحاء القصبة وصارت الحكومة لا تتصرف في شيء إلا بأمر الوزير الفرنساوي سواء كان في الداخلية أو في الخارجية، وتفاقم الضرر بولايات غير الأهل في الوظائف بوسائل غير مرضية، وعظم الكرب على القبائل والبلدان بما حصل فيها من العساكر الذين أقاموا بالقيروان وسوسة وهدموا صفاقس وخرجوا من قابس بعد دخولها وعادوا غليها، ونسأل الله تعالى أن يتداركنا بألطافه وبحسن العاقبة.