وابن دينار في المؤنس (-١١١١) اعتمد كلام ابن الشماع وبنى عليه كلامه في الباب الأول الذي عقده في التعريف بتونس، فإنه علق على قول ابن الشماع: "وجامع تونس مليح الصنعة" إلخ..
(قلت) عبيد الله بن الحبحاب كان عاملاً لهشام بن عبد الملك بن مروان على مصر، وأرسله إلى إفريقيا سنة عشر ومائة، فلما وصل إلى القيروان أخرج المستنير من السجن وأرسله إلى تونس والياً عليها، ولعله لم يدخل تونس.
وتقدمه البكري حيث قال ومدينة تونس دورها أربعة وعشرون ألف ذراع وذكر بناء عبيد الله بن الحبحاب.
لكن صاحب المؤنس بعدما نقل الكثير من كلام المؤرخين المتحدثين عن تونس ذكر رأياً له وهو: وإذا ثبت ما قلته، وتقرر ما نقلته، فالذي صح عندي إنها قديمة من بناء الأوائل، والذي ذكر فتحها هو أقرب من غيره، وأن حسان بن النعمان هو الذي فتحها، وبني بها مسجداً، وعبيد الله بن الحبحاب زاد في ضخامته كما أن زيادة الله بن الأغلب زاد وضخمه وكملت في أيام بني حفص كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ذكر ابن أبي دينار هذه الخلاصة التي ضمنها رأيه في أن تونس قديمة وأن فاتحها هو حسان بن النعمان وأن جامع تونس المعروف بجامع الزيتونة بناه حسان وضخمه عبيد الله بن الحبحاب وهو الرأي الذي اعتمده صاحب مسامرات الظريف لكنه زاد على ما ذكر ابن أبي دينار شيئاً وهو أن عبيد اله بن الحبحاب زاد فيه سنة (١٤١) كما رسم على أحد الأقواس وهو غلط تاريخي لا يغتفر.
وذكر الوزير السراج في تاريخه الحلل السندسية في الأخبار التونسية في القسم الثالث من الجزء الأول: "وأن عبيد الله بن الحبحاب هو الذي أسس جامع تونس وبناه سنة (أربع عشرة ومائة) .
ومما اتفق فيه أن مفرد (جامع) وتاريخه متفقان".
وخلط المؤلف هنا خلطاً ولم يتحر في التاريخ في هذا الموضع الذي هو أساس تاريخه وهو جامع الزيتونة لأنه أراد أن يؤرخ لأمته وعلمائه البارزين من المفاتي والقضاة كما قدمنا.
فلا بد أن نذكر ما وقع فيه من الخطأ: أولاً: أنه نسب بناءه لحسان معتمداً ذلك تاريخاً مع انه غير صحيح.
وغنما هو رأي لابن أبي دينار صاحب المونس، وإما كافة المؤرخين فإنهم لا يذكرون غلا ما نقلناه عنهم.
ثانياً: ذكره لقدوم عبيد الله بن الحبحاب والياً على تونس على عهد هشام بن عبد الملك بن مروان وأنه أتم بناء جامع الزيتونة سنة إحدى وأربعين مع أن هشام بن عبد الملك انتهت خلافته سنة (١٢٥) .
ثالثاً: أن ابن الحبحاب لم يل إفريقيا سنة (١٤١) بل وليها إما سنة (١١٤) أو سنة (١١٦) .
رابعاً: أن التاريخ الذي ذكر وهو (أعلم) حسابه بالجمل (١٤١) وليس هو إشارة إلى التأسيس إذ يبعد أن يكون مراداً به ذلك لن حساب الجمل الآخذ به متأخر.
ومن القريب جداً أن يكون المسجد الذي أسسه حسان بن النعمان غير الذي أسسه ابن الحبحاب، ويؤيد هذا أن هناك مسجداً صغيراً بالنهج المعروف بنهج الخمسة الذي بجانب المدرسة السليمانية يتناقل الناس أنه أقدم من جامع الزيتونة وأمام باب صخرة عظيمة يحكي المعرون من المشايخ أن بعض العملة الذين كانوا بصدد بناء جامع الزيتونة يقسمون أجورهم عليها كالمنضدة، والله أعلم.
وهذا المسجد به أسطوانة عظيمة عتيقة يقوم سقف المسجد عليها وعلى الجدران الأربعة.
وكان لذلك المسجد منارة هدمت قبل الاحتلال بقليل لأنها ساخ بعض جدرانها بالأرض مما أدى إلى ميلانها فأدى ذلك إلى هدمها، وكان بابها يصعد إليه من تلك الصخرة التي أمام باب المسجد.
وإنما اتخذ حسان مسجداً صغيراً لأنه لم تكن له رغبة في إقامة مدينة بقرب قرطاجنة لأن هذه الأخيرة كانت حصناً للذين يغيرون على إفريقيا فلم تكن له رغبة في عمارتها.
٢ تاريخ ابتداء تأسيسه: المشتهر والمتعارف هو أن ابتداء تأسيسه كان في سنة (١١٤) وهو ما اختاره صاحب الحلل السندسية حتى ذهب إلى أن تاريخه بحساب الجمل (جامع) .
إذ الجيم ب?٣ والألف ب?١ والميم ب?٤٠ والعين ب?٧٠ ١١٤ وهو ما جاء في المسالك والممالك للبكري.
والبكري عمدة الكثير من المؤرخين التونسيين وهو ما ذكره ابن خلدون في كتابه العبر.