وبعد دفن الشيخ بأيام أرسل محمد باي إلى والده صاحب الترجمة بتوليه وظائف والده فولي خطة الفتيا وإمامة الجامع اليوسفي بعد الامتناع الكلي لنفوره بما وقع بوالده وتعلل بصغره وقصوره وكانت ولايته خامس صفر الخير سنة ١٠٨٩ تسع وثمانين وألف، وعند ذلك صاحب المفتي المالكي الشيخ محمد فتاتة وأعانه على الفتيا فكان يرجع إليه في جميع الفتاوي وبسبب ذلك حصلت له مشاركة في المذهب المالكي مع أنه كان قرأ على والده وعلى غيره وأخذ الفقه عن الشيخ مصطفى بن عبد الكريم والشيخ محمد بن شعبان. وقد ذكر شيخ الإسلام البيرمي في شرح نظم المفتين الاستدلال على قصوره غير ما دلت عليه تحلية معاصره المفسر الشيخ محمد زيتونة في ثنائه على تقريظ لسمط اللآل ولذلك تعين علي أن نذكر ذلك التقريظ والثناء عليه إذ يمكن للمطالع أن يهتدي بذلك لتحلية صاحبه الترجمة وذلك أن كتاب سمط اللآل الذي ألفه مدرس جامع محمد باي المرادي العالم الصالح الشيخ محمد قويسم في التعريف برجال الشفا وهو كتاب غريب في بابه يحتوي على عشرة أجزاء ضخمة فيه من شوارد المسائل والتحريرات واللطائف والتراجم والأخبار ما يسلي الغريب، ويفيد العالم اللبيب، ولذلك قرظه كثير من علماء ذلك العصر ومنهم صاحب الترجمة كتب عليه ما نصه: نحدمك اللهم يا من أنطق الألسن بنفائس السحر الحلال، والأقاويل ببدائع يواقيت المقال، فأصبح روض المحاسن بوابلها الهتان في ميادين البها زاهرا، ودجى المعارف لفتوحات أنوارها ناضرا. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد نقطة دائرة الوجود، وشفيع العصاة في اليوم الموعود، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد فقد نزهت طرفي في مساحة من رياض هذا التأليف البديع، وأجريت طرفي في ميدان ما أبداه المؤلف من حين هذا الصنيع، فألفيته فائزاً بالتقدم في حلبة التأليف، حائزاً قصب السبق باشتماله على الترصيع والترصيف، مشحوناً باللطائف تمتد إليها أعناق ذوي الهمم من كل جانب، وترى تواليها أحداق أولي المشارق والمغارب، فالحق أحق أن يتبع أو يقال، لم ينسج في زماننا على هذا المنوال، فلله در مؤلفه حيث جمع فأوعى، وأتى بما تعجز عنه القوى فجاء الغاية القصوى، على جل العلوم قد احتوى، فهو علامة زمانه، ولوذعي أوانه، الجهبذ الفريد، والمحقق المفيد، الشيخ الفاضل والنحرير الكامل أبو عبد الله الشيخ محمد قويسم أدام الله النفع بعلومه، وسقى رياض المعارف من طيب فهومه. إنه على ذلك قدير. وبالإجابة جدير"أ. هـ.
ولما اطلع على هذا التقريظ خاتمة المحققين وعمدة الراسخين الشيخ محمد زيتونة كتب في الثناء عليه ما نصه: هذه بنات أفكار، وعرائس أبكار، ونفائس سجع برزت من وراء الستار، جالسة على منابر العز متنافسة، سائرة بين أغصان الرياض متمايسة، مرتضعة من ثدي الأدب رحيق الزلال، منبهة على عظيم مقدار سمط اللآل. سالكة منه مسلك الإجازة، فيما زبره التأليف وأجازه:[الخفيف]
نمّقتها يدُ المحاسن فضلاً ... من همام موضّحِ المشكلاتِ
صادعٍ بالدليل في كل خطب ... ناصر الحق قدوة الأثباتِ
شيخ الإسلام جامعٍ لعلومٍ ... واسع الصدر فاتح المعضلاتِ
عالم أرجاء البسيطة التونسية، ومفتي الديار الإفريقية، المنفرد بين أهل عصره في العلوم العقلية والفقهية، بالرئاستين المالكية والحنفية، سيدنا الهمام، ومولانا العلام، الإمام المتصدي لأجوبة النوازل تصدي الأسد الليوث، أبي عبد الله محمد المشتهر بالكبير، في طاعة مولانا الكبير، ونصرة شرع السراج المنير، ابن العلم الأكبر، ورئيس الفتيا الأشهر، محرر الدلائل، ومقرب المسائل، وموضح المشكلات لكل سائل، المرحوم بكرم الله سيدي يوسف درغوث، رحم الله السلف، وأدام ذكرهم بالخلف"أ. هـ.