عن (يوسفٍ) هو الدِّلاصيُّ الرّضى ... عن (اللَّولاتي) هوَّ يحيى المرتضى
عن (ابن ضائعٍ) عن المؤلفِ ... منشي الشفاءِ الجامع للشرف
أخذته عن شيخنا داريه ... وجاد له بالإذن الروايهْ
وقد أذنت الفاضل المجازا ... بأن يجيز من له استجارا
إجازة شاملة محققة ... مطلقة بكل فن حققه
بشرطها المقرر المعتبر ... بالاتفاق عند أهل الإثر
وأسألُ الله له أن ينفعا ... بعلمه جميع من له سعى
والمدنيُّ يوسف ُالمنكسرُ ... أخو القصور المذنب المفتقرُ
يرجو من الكريم حسن الخاتمهْ ... بدار من للأنبياء خاتمهْ
صلّى عليه ربنا وسلما ... والآلِ والصحب ومن له انتمى
وتقدم في جامع محمد باي المرادي إماماً وخطيباً ومدرساً وشيخنا في المدرسة الشماعية بعد وفاة والده، فزان المحراب المنبر فصاحة وتلاوة وخطب من إنشائه واجتمع بين يديه هنالك العلماء للدراية والرواية وأبدع في أختامه غاية الإبداع، على طريقة لا تستطاع.
ثم قدمه الأمير مصطفى باشا لخطة القضاء فزانها نحو الثماني سنين بعلم راسخ، وتيقظ لجميع الشبه ناسخ، مع التضلع بفقه القضاء والتحري والديانة والتثبت الكلي في حقوق الله وحقوق العباد لا تأخذه في الحق لومة لائم وله إخبار في ذلك تدل على كمال خشيته لربه.
ولما توفي شيخ الإسلام البيرمي الثالث ويقدم للمشيخة رابع البيارمة تقدم صاحب الترجمة مفتياً ثانياً من أول وهلة مع وجود من سبقه في الخطة على ما تقدم آنفاً وذلك في التسع والعشرين من ربيع الأول سنة ١٢٥٦ تسع وخمسين ومائتين وألف فزان خطة الإفتاء بفتاويه ومراسلاته التي أبان بها ما له من العلوم الشرعية من باهر آياته.
ولما توفي شيخ الإسلام البيرمي الرابع قدمه الأمير محمد الصادق باشا باي لمشيخة الإسلام فشمر عن ساع الجد ونهض لها نهوض المجتهد، مات شئت من علم ودين، وفقه متين، وكرم أخلاق، وتثبت في مزالق الحذاق، يخشى الله سراً وجهراً بعيداً عن التصنع متخلقاً بأخلاق الصالحين قضى وأفتى وخطب ودرس وألف، وشكر سعيه في جميع ذلك.
كتب حاشة على مختصر السعد استدرك بها على ثلاثة السعد والسيد وعبد الحكيم بما يشهد له برسوخ القدم بين الأمم، وله شرح لطيف في سياسة الملك على الحكم التي تنسب لأرسطو، وأولها: "العالم بستان سياجه الدولة ... "، وهو شرح بديع الأسلوب، قرظه شيخ الإسلام البيرمي الثالث بما نصه: "يقول العبد المفتقر إلى رحمة ربه الغني، محمد بن محمد بن محمد بيرم الحنفي، غفر الله ذنبه، وفرج كربه، لما طالعت هذه النقلية الأنيقة، التي هي بالإذعان حقيقة، صنعه البدر الزاهر، الهمام الماهر، أبي عبد الله محمد ابن شيخ الإسلام، عمدة الأنام خاتمة المحققين، كمال العلماء المتأخرين، أبي العباس أحمد بن الخوجة رأيت ما يبهج به الناظر، ويقوم عليه لمجادل والمناظر، من نقول تصحبها متانة وجزالة، ونقود تمتزج بها بلاغة وجلالة، وحسن انسجام، ألذ من لوجدان بعد الإعدام إلى غير ذلك مما تدركه الألباب، ولا يحيط به نطاق الاستيعاب، فحمدت الله سبحانه على التيسير، في مثل هذا الزمن العسير، وابتهلت إليه جل جلاله أن يكثر من أمثاله، ويسهل لهم النسج على منواله، إنه الفعال لما يريد، المالك أزمة التيسير والتسديد، وحين رتع الذهن الكليل في ذلك البستان، وتملأ ناظره من بديع هاتيك الحسان، صار اللسان على قدم الشكر يجول، وحملت الوجد الفادح على أن يقول: [الكامل]
لا تنكروا ولهي وطولَ غرامي ... ومزيدَ أشواقي لها وهيامي
هذي التي سمح الزمان بوصلها ... من بعد تسويفي وطول مقامي
نسختْ بطلعتها ونور جمالها ... ليلَ الشكوك وحيرةَ الأوهام
لا تعجبوا منها فإن مقيلها ... بيتُ العلوم ومفخرُ الأعلام
بيت إذا حلّ العويص بسائلٍ ... وافاه ملتمساً لنيلِ مرامِ
لا زال محروس الجناب موفقاً ... متعطر الأرجاء بحسن ختام