وجمع شعره في ديوان سماه السحر الحلال يحتوي على ثمانية كراريس من لطيف الشعر، وقد شرح قصيدة كعب بن زهير شرحاً لطيفاً شحنه أدباً ولطائف من أحوال العرب ووقائعهم، وكتب شرحاً على البسملة، وشرحاً على خطبة مختصر السعد التفتازاني، وحين أقرأ شرح القدوري للشيخ برتقيز بجامع الزيتونة تتبع قضاء الفوائت بمسائل معركة الشيخ حسين البارودي والشيخ لطف الله الأرزومي الأعجمي وكتب في المسألة رسالة صوب بها كلام كل من الشيخين.
ولما توفي الشيخ مصطفى بيرم صار مفتياً ثالثاً ولما توفي الشيخ محمد معاوية صار مفتياً ثانياً فهو اليوم كاهية شيخ الإسلام ملازم للإفتاء والتدريس.
وختم صدر الشريعة بجامع الزيتونة وكتب حواشي على مباحث من الدرر، وتصدى لشرح منظومة المحبي في الفقه الحنفي شرحاً بديعاً يحوي تلك المسائل الفرعية على ما به عمل الديار التونسية بأنقال عين المسائل من أمهاتها وتأييدها بقواعدها الأصولية التي ابتنت عليها وربما أوضح مبنى الاختلاف بين مذهب المالكية والحنفية بحيث إنه يعد من مهمات كتب الفقه الحنفي.
ولما أطلعني على أجزائه قبل استيفائه كتبت عليه في تقريظه ما نصه: تبارك الذي أنشأ جنات معروشات، بأجمل العريش وأطلع في آفاق الصفحات خيلان الأحبوشات، وأفاض عليها من الإبداع جناح المريش. أبدع آيات إحكام أحكامه وكل شيء عنده بمقدار، وأتقن ترتيب العالم في نظامه ولا يعلم أحد ما أودع في تلك الأسرار، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شا ومن لعقل القاصر بفهمه أن يصل إلى إدراك حقائق ما على حكمة الإبداع قد انتشا فكم من خبايا في زوايا هذا النظام، تنشر أبدع الطي من مفاخره، وكم من غرائب تحار دونها الأفهام، لا تختص بأوله ولا بآخره، فمن خاض خضم هذا النظام وسبح في بحره الزاخر، رأى بعيني البصر والبصيرة مصداق كم ترك الأول للآخر، أفلم يأن للمتبصر أن يقلب طرف الاستبصار، ويجيل فكر الاعتبار، في شريعة سيد الأبرار، التي لم يزل تجدد الليل والنهار، يشيد منها أعز منار بأحكم الآثار، الدالة على صلوحيتها لكل جيل في جمع الأطوار، ولم يزل علماء الأمطار في جميع الأقطار يوضحون ما لم يهتد إليه غيرهم من الأسرار، إلى هذه الأعصار، التي أطلعت آية غطت على الشمس في كبد النهار، ونثرت الدر المختار، بما عليه المدار، من فقه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنه وأرضاه ما تجدد الملوان، ألا وهو شرح المنظومة العديمة النظير، الموشحة بأحسن التحبير، المنسوبة إلى العلامة المحبي المساة بعمدة الحكام ومرجع القضاة في الأحكام، ويا لها من مرجع بديع النظام، تفتخر به الأيام، ويا لله ما أجلاه من خبياتها ذلك الشرح، الذي رفع به مؤلفه من قواعد الأصول والفروع أعظم صرح حرره ثنيان الفتيا، ومن له في العلوم العقلية والنقلية الرتبة العليا، الداركة النحرير، ومعدن التدقيق والتحرير، والعمدة العلامة، والدراكة الفهامة الهمام الكريم، والمتقلد من وصف الكرم بما يدل على التعظيم، من خيم الفضل في ساحاته فكان أكرم مخيم المفتي الشيخ أحمد كريم، لا زالت مساعيه ناجحة، وموازين علومه بالصواب راحجة، وناهيك بما أودع فيه، والذي ملأ الكون من مفاخرة يكفيه، فقد أتى في إبداعه بالسحر الحلال، والعذب الزلال من كشف خبيات تلك اللآل، التي كانت في زوايا الإهمال، وما جلس لها أحد لها في الخلال، حتى أجلاها على منصة الكمال، واضحة الأقفال مؤيدة من القواعد الأصولية بأمتن وجوه الاستدلال، التي لم تترك وجهاً للإشكال، مع الإنصاف الذي هو ملاك الأعمال وتحرير المعمول به الأقوال ولما أوقفتني مودة هذا الشارح على غاية الآمال من هذا الشرح العزيز المثال، الذي رتع الفكر في مفصل رياضه وجال، وتوله بحميا خندريسه فأنشأ وقال:[الوافر]
أبحرُ الفقهٍ يقذف مثل غرب ... بفيض الدر من شرق لغرب
فأطهر بين أهل العلم كنزاً ... يفيد كفاية في كل إرب
أمٍ التوضيح بان به منارٌ ... من الإرشاد بالإصباح يبني
هدانا للهدى لأعزّ معنى ... هو المغني على قرب المغب
بلى إنّ الصباح لهُ انبلاج ... بفجر ساطع من تحت حجب
وما هو غير شرح فاق كشفاً ... يزيل الحجب عن (نظم المحبي)