وتقدم لخطة التدريس في الرتبة الثانية عند وضع الترتيب الأحمدي في ١٢ ربيع سنة ٦٥ خمس وستين فتصدى للإقراء بطريقة بديعة، وتقدم للإمامة والتدريس بالجامع الباشي عند وفاة والده وأقام به الخمس على عهد خطبة الشيخ محمد معاوية ثم الشيخ عثمان البارودي ثم ابنه الأكبر الشيخ محمد البارودي ثم أخوه الشيخ محمد وبوفاته تنقل لإمامة باردو وولي خطبة الجامع الباشي الشيخ حمودة بيرم وإمامة الخمس الشيخ الشاذلي بن القاضي ثم ضمت له الخطبة، وحيث إن إمامة الخمس هنالك الرواية أقرأ صاحب الترجمة فيه صحيح البخاري وختم فيه في شهر رمضان الأختام المحررة البديعة على العادة وتقدم لخطبة جامع باردو وإمامة السراية ثانياً لعمه، ثم لما توفي عمه الشيخ عثمان البارودي في رمضان سنة ٨٤ أربع وثمانين صار إماماً أول فيهما، ولازم القيام بخطبة باردو عدة سنين، وولي ثانيه غيهما يومئذ ابن عمه الشيخ محمد بن عثمان البارودي، وتقدم للرتبة الأولى في التدريس بجامع الزيتونة ولازم التدريس به وتقدم لمشيخة المدرسة الجديدة ودرس بها الفقه الحنفي كثيراً.
ولما انتصبت المجالس القانونية انتخب لها وباشر خدمتها مدة ترتيبها، ثم لازم التدريس وتزوج بابنة عمه وأقام لعرسه وليمة باذخة دعا لها دعوة الجفلى، وأظهر من نفائس الأطعمة والملابس ما اضطره إلى التداين بما لم يقدر على قضائه ولما اشتد عليه الطلب أنفت نفسه من البقاء على مطالبة الغرماء فلازم داره أكثر من عامين.
وفي شهر رمضان المعظم سنة ١٢٨٠ ثمانين أرسل له المشير الثالث محمد الصادق باشا باي بالخروج لعمل ختم البخاري بجامع الباشا على العادة المألوفة فخرج وحضر لختمه المذكور الأمير وسائر العلماء وسر الناس خروجه، وعند ذلك مدح الأمير بقصيدة طرزها بقوله سيدنا ومولانا الملك الشهير، محمد الصادق باشا المشير وهي التي يقول في مطلعها:[الكامل]
ثم إنه أعمل وجوها من الصلح مع غرمائه وأعاد الكرة إلى دروسه فلازم التدريس سائر يومه، وكنت في ذلك الوقت نحضر غالب دروسه بحيث إنه يحضر بجامع الزيتونة قبل الزوال بأربع ساعات فيقرئ أربع دروس وعند الزوال يخرج لصلاة الظهر بالجامع الباشي، وبعد الزوال يقري درس الفقه بالمدرسة الجديدة ثم يصلي العصر بالجامع الباشي ويجلس للتجويد ساعة ثم يقري به درسين تدركه في ثانيهما صلاة المغرب مغالباً، هكذا ديدنه في كل يوم وفي ذلك العهد قرأت عليه شرح الشيخ خالد على الآجرومية مرتين وقطعة من الأزهرية والقطر، وقطعة من الشذور والمكودي على الأليفة، ودروساً من الأشموني، وجودت عليه القرآن العظيم براوية حفص وختمت عليه شرح القاضي على الجزرية والدمنهوري على السمرقندية ونبذة من الملوي عليها والجربي على إيساغوجي، وختمت عليه الباجوري على الجوهرة وقطعة من لامية الأفعال وقطعة من الباجوري على البردة ونبذة من أول الشفا بشرح الشهاب ومواضع متفرقة من صحيح البخاري بعضها دراية وبعضها رواية فقط، ومع ذلك حصلت بمراجعته ومجالسته ما نرجو من الله أن يجازيه عني به أحسن الجزاء. وكانت طريقته في التدريس أحسن طريقة لنفع الطالبين حيث إنه يلم بالمسألة أولاً ثم يعيد ما قرره بمطابقته على عبارة المؤلف مع غاية الإيضاح والبيان وعود الضمائر إيضاحاً لما يتوهم معه تخلف أحد الحاضرين عن الفهم، وهذه هي طريقته مع المبتدئ والمنتهي. وتقدم لإمامة السراية وخطبة جامع باردو وخطب من إنشائه خطباً كثيرة مع ما له من حسن الترتيل وجهوري الصوت وفصاحة اللسان، وتقدم لمشيخة زاوية القادرية بعد وفاة عمه أبي النور في شهر رمضان عام ٨٤ أربعة وثمانين ومائتين وألف.
ولم يزل على طريقته في ملزمة التدريس والقيام بجميع خططه إلى أن تقدم لخطة القضاء تاسع شعبان الأكرم سنة ١٢٨٥ خمس وثمانين ومائتين وألف، فوجه همته للقيام بحقوق الله وحقوق العباد وأعمل يعملات جده، وتحرى لدينه، ولازم دار الشريعة للحكم بحيث لا يكاد يتأخر في وقت الحكم، واعتمد مراجعة من قبله ومع ما هو عليه من الفقه والدين، وكتب في ختمه بيتين وهما قوله:[مجزوء الرجز]