نستمد من فيوضات الحق سبحانه لجنابكم الكريم، مزيد الفضل العميم، وامتداد آمالكم، وانتفاع المسلمين بطول حياتكم، وانسداد أبواب السوء عن حوزتكم وجهاتكم، أما أحوالي فهذه المدة التي مضت كلها وأنا مشغول باتمام شرح الأحياء وقد وصلت الآن في شرح كتاب المحبة والباقي أأربعة كتب وهانَ الأمر بمنة الله تعالى وبركة أنفاسكم الطاهرة، فهذا هو الذي يمنعني من مشاركة الناس في أحوالهم وأخبارهم، ولولا الخلوة ما كانت الجلوة، وقد فرحت بما أشرتم في كتابكم لشيْ مما يتعلق بسيدنا القطب سيدنا محرز بن خلف- قدس الله سره- فإني أعرف أنه من أكابر الأولياء المتصرفين في عالم الغيب وكنت مشتاقاً لسماع شيْ من سيرته الحسنة وإنني من المعتقدين فيه والمعترفين بفضله، حشرنا الله في زمرة محبيه، وما نقله أبو عمران الفاسي عن القاضي أبي بكر الباقلاني فإنَّه صحيح لاشكّ فيه وهو يشير إلى مقام الصديقية العظمى وله خلافة الحق المعنوية، وكمال رتبة الإنسانية التي بها تمت لهالصورة المعنوية بعد النفخ والتسوية فرضي الله عنه، وأرضاه عنا.
ثم إن المولى الشهاب الشيخ أحمد السةسي أتى عليه في آخر أمره مرض اعتكف به على العبادة في داره إلى أن أدركته المنية فتوفي في شهر رمضان المعظم سنة ١٢٠٨ ثمان ومائتين وألف.
وأما والدهم العالم الشيخ عبد الله السوسي فقد ولد بمكسال من سوس المغرب الأقصى، وقرأ هنالك، وخرج منها لحج بيت الله الحرام سنة ١١٢٧ سبع وعشرين ومائة وألف، وأخذ الحديث بمكة عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي الذي كانت وفاته يوم الاثنين رابع رجب سنة ١١٣٤ أربع وثلاثين ومائة وألف وقد جمع ثَبت أسانيده ولده المحدث الشيخ سالم بن عبد الله البصري في كتاب سماه "الإمداد بمعرفة علو الإسناد" رضي الله عنهم أجمعين.
ثم إن صاحب الترجمة السوسي ارتحل إلى تونس وأخذ عن العالم الرباني الشيخ إبراهيم الجمني والشيخ علي بن أحمد بن الحق اليمني التميمي الأنصاري وأقام مدة بالقيروان إلى أن حاصرها الباشا علي بن محمد فقدم إلى تونس وتصدى لبث العلم. ولما أتم الباشا بناء مدرسة حوانيت عاشور عرض مشيختها على الشيخ علي سويسي فامتنع من قبولها وأشار على الباشا بتولية الشيخ عبد الله السوسي، فأولاه إياهأن فكان أول شيوخها وقد ذكر الشيخ محمد مقديش الصفاقسي في تاريخه نزهة الأنظار في عجائب التواريخوالأخبار أنه مرض مدة فأوتي براتب مشيخة المدرسة فامتنع من قبوله مدة حتى بلغ خبره إلى الباشا فأرسل إليه يقول له: إني لم نجعل لك الراتب في مقابلة الإقراء وإنما جعلته لك إعانة عليه وبمقتضى ذلك يلزم أن تقبضه فقبله رضي الله عنه.
قيل: إن الشيخ لطف الله الأعجمي لما قدم إلى تونس حضر بالمدرسة المذكورة وحين علم أن شيخها هو صاحب الترجمة أخرج تقييداً من جيبه فنظره ثم قال: إن هذا الشيخ قد أُمرنا بزيارته وعند ذلك طلب الاجتماع به فجلس بين يديه جلوس التلميذ، وإنّما يعرف الفضل ذووه.
ولما ذكَرَ الحاج حمودة بن عبد العزيز في تاريخه علماء دولة المقدس حسين باي بن علي قال وواحد المغرب علماً وديناً وورعاً أي محمد عبد الله السوسي الوافد عليها من المغرب الأقصى ١هـ. وذكره المولى حسين خوجة في تاريخه بشائر أهل الإيمان فقال فيه ما نصه: منهم العالم العلامة المحقق المدقق الشيخ سيدي عبد الله بن محمد أصله من بلاد سوس المغرب وقرا في أحواز مراكش وفاس النحو والصرف والفقه، ثم انتقل ورحل إلى مصر ومكث بالأزهر مدة وأخذ عن أجلاء الوقت وعلمائه وفي عوده مكث في جزيرة جربة واستقر بمدرستها وأخذ عن الشيخ الفاضل البركة العالم الزاهد سيدي إبراهيم الجمني ثم قدم إلى القيروان واستقر بها وتصدى للتدريس أولاً بزاوية صاحب المناقب الظاهرة والإشارات الباهرة الشيخ الولي الصالح سيدي سعيد الوحيشي نفعنا اللهبه وأقرأ بها مدة واشتهر بالعلم ' فاستدعاه الأمير حسين باي ورتبه في مدرسته بالقيروان وهو الآن شيخها ومدرسها عالم بالفقه والنحو والمنطق والبيان والأصول والفقه والحديث، فأقاد منها وأجاد، وله درس عظيم ومدحه الخاص والعام وهو رجل أسمر اللون حسن القامة مليح الوجه صاحب سكينة ووقار عفيف دين ذو مهابة وله ميل إلى الخمول اه.