للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد زان الخطة المذكورة ونهض لها نهوض الزعيم، وهجر في خدمتها لذائذ الراحة والنعيم، وأظهر من عز شأنهأن وفخامة بنيانهأن ما عظمت بها صولتها فامتدت على أوقاف سائر جهات المملكة وتصرفات سائر حكام البلاد ومتعلقات أحوال أهاليها امتداداً بلغ العناية جميع مدة دولة المشير الثاني.

وبعد ذلك لم يساعده طبع الزمان على ما رامه وقد توفي سنة ١٢٧٩ تسع وسبعين ومائتين وألف.

وأما صاحب الترجمة فقد ولد سنة ١٢٥٦ سنة وخمسني ومائتين وألف وتربى في حجر المعارف والبذاخة البيرمية، وقرأ القرآن برواية حفص على الإمام المجود الشيخ محمد بن أحمد البارودي مؤلف رسالة مخارج الحروف، وقرأ على والده متن الآجرومية وشيئاً من علم الحساب، وقرأ على ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد بن حميدة بن حسين بيرم الآجرومية وشرح الشيخ خالد عليها ومتن القطر وشرحه ومتن السمرقندية وشرح العصام عليها والمكودي على الألفية ونبذة من القدروي وغالب صدر الشريعة بشرح الوقاية والشمائل، وقرأ على الشيخ أحمد بن نصر والشيخ خالد والأزهرية والقطر والمكودي وشرحي الدمنهوري والعصام على السمرقندية والمدمة والفاكهي وإيساغوجي وشرح القاضي عليه ونبذة من الأشموني ومتن التلخيص، وقرأ على الشيخ الأمين بن الخوجة غالب الدر المختار، وقرأ على الشيخ صالح بن فرحات نبذة من الشيخ خالد ونبذة من الفاكهي، وقرأ على الشيخ محمد الشاهد العقيدة السنوسية والأشموني والسعد وقطعة من المطول ومقدمة القسطلاني وقرأ على الشيخ محمود قابادو شرح القاضي على إيساغوجي ونبذة من التلويح ودروساً من تفسير القاضي البيضاوي، وقرأ على الشيخ أحمد عاشور السلم، وقرأ على الشيخ علي العفيف القطر والتصريح والأشموني والسعد ونبذة من المحلي، وقرأ على الشيخ الشاذلي بن صالح القاضي على إيساغوجي والدمنهوري، وقرأ على عم جده الشيخ مصطفى بيرم شرح المنار البيرمي، وقرأ على الشيخ الطاهر بن عاشور نبذة من المحلي ونبذة من الأبي على مسلم، وقرأ على الشيخ محمد معاوية صدر الشريعة.

وتصدى للإقراء ببراعة كلية، وتدم لخطتي التدريس في الرتبة الثانية ثم الأولى بجامع الزيتونة في الخامس عشر من رجب سنة ١٢٨٤ أربع وثمانين وتقدم لمشيخة المدرسة العنقية، وختم فيها الأختام المهمة المشتملة على تحرير عزيز المسائل، وقد حضر الأمير بعضها وقد كانت تلك الدروس مجالاً لعلماء العصر وقد اعتاد إعادة تدريس تلك الأختام في بيت ولي العهد الأمير علي باشا وهو يجل مكانته ويواصله عنها كل سنة.

وهو عالم فاضل، عالي الهمة، عزيز النفس، رفيع الحسب، شاعر ناثر ينظم رقيق الشعر، وله جيد النثر، وقلمه في الإرسال في غاية الفصاحة، فصيح اللسان، حين المحاضرة بغاية الأناة والسكينة، خبير بالسياسات الشرعية والوقتية، ثبت وقور حسن التدبير، واسع الإدارة طولب للخطة الشرعية عدة مرات فامتنع من ذلك متعللاً بضعف بدنه، مرض بأعصاب معدته وسافر لمداواتها عدة مرات لباريس وإيطاليا.

قدمه المشير محمد الصادق باشا باي لرياسة جمعية الأوقاف في صفر الخير سنة ١٢٩١ إحدى وتسعين ومائتين وألف، فأحسن تنظيمها وإجراءهأن وأجرى العمل بتراتيبهأن فنفع البلاد لحفظ الأوقاف وعندما رأت الدولة كفاءته للخدمات السياسية انتفعت بحسن تدبيره في مهمات الخدمة وأدخلته مدخل رجال السياسة، وتدم لنظارة المطبعة، وأحيا ذكرها في البلاد وتوظف عضواً في عموم الجمعيات التي انعقدت لوضع التراتيب العلمية وغيرهأن وبإشارته كان إنشاء المستشفى الصادقي فباشر إقامته وألف قانونه ورى على رأيه ولذلك واصله الأمير يوم فتحه بصندوق مرصع باسم الأمير في الموكب العام هنالك، غير أنه بعد ذلك أنكر عليه ميله للشورى وحب للمجالس وإن اضطر لتوظيفه عضواً في مجلس الدولة الشوري مه ما هو عليه من المرض الملازم له الذي يضطره في كثير من لأحيان إلى إٌقامة بداره، حتى أنه لما أعياه التداوي حضراً وسفراً ألح في طلب الإذن له بالاستعفاء من سائر الخدمات التي بين يديه لما يجده من ألم المرض ولم تسعفه الدولة بذلك.

<<  <   >  >>