أما الكتب التي أقرأتها لهما تدريساً فهي متن الآجرومية ثم شرح الشيخ خالد عليه مرتين ثم شرح القطر الألفية بشرح المكودي إلى النعت والعقيدة السنوسية والمقدمات وشرح الباجوري على الجوهرة والشرح البيرمي على إيساغوجي، والدمنهوري على السمرقندية ونبذة من تلخيص المعاني إلى أحوال متعلقات الفعل وشرح الشيخ حسن الشرنبلالي في الفقه الحنفي وقطعة من العيني على الكنز وقطعة من المغني على تحفة الملوك وشرح الدر المختار على تنوير الأبصار وقد بلغنا فيه الآن إلى الخلع والأ'مال الصحيحة من علم الحساب، والشرح الخوجي على الحكم السياسة والخلاصة النقية في أمراء إفريقية وتاريخ القرماني وقطعة من مقدمة ابن خلدون جميعها تدريساً بجد واجتهاد ورواية غالب الشفا للقاضي عياض وسرد الإبريز وقراءة صحيح البخاري دراية في ليالي رمضان كل سنة، وقد كتبت عدة أختام على كثير من الأحاديث لتي ينتهي شهر رمضان بالوقوف عليهأن نسأل الله أن يجعل جميع ذلك من العمل المبرور.
وقد اشتغل أيضاً بتعلم اللغة الفرنساوية فبرع فيها كتابة وسرداً وترجمة وتكلماً بعد التروي وحساباً وجغرافية على وجه يعز عمن سواه مع ماله من الولوع بمطالعة الأخبار ومزيد الاستبصار.
فهو شاب مهذب شهم فصيح دراكة ألمعي متبصر موفق لطيف الأخلاق حسن اللقاء كيس المعاملة ظريف الشمائل محب للتراتيب يخشى الله في حقوق العباد محب للنصيحة عزيز النفس عالي الهمة حسن العهد رحب الصدر. نسأل الله لنا وله دوام نعمة التوفيق الهدية، وحسن المبدأ والنهاية، بجاه من أنزل عليه القرآن آية آية.
وقد كنت في مبدأ إقرأئه كاتبته بمكتوب نثبطه به عما ظهر به من اشتغاله، ونحثه عما يجديه بين الناس في مآله، وهو مكتوب يحسن في بابه، وتعرف قيمته عند أربابه، ولا ينبغي أن نودع عند غيره نفائس آدابه ولذلك حافظ على نفائسه فوعاه حفظأن وبعد أن استوعبه معنى ولفظأن وهذا نصه: أيها الابن الذي يريد أن يقوم لجيوش المعارف ناصرأن وقد أسلمت لك قيادها وحلت لك أبناء الملوك خناصرأن أعزك الله ما الفضل بالسباق إلا في ميادين المعارف، ولا بالصيد إلا الشوارد المسائل واللطائف، ولا بالرماية إلا في أكباد الأعادي، بإحراز سهم لعلوم ونشر رايتها في كل نادي، وعهدي بك أنك ممن سبر وعاين بعد الخبر المخبر فأءيقنت بلزوم بذل العناية في الحرص على التعلم لما تحرر عندك من نتائج سير ملوك الأقاليم، فما بالك آثرت اللهو بالصيد دون رجوع في سويعات التعليم التي إنما تكون لك ثلاثة أيام من كل أسبوع مع هجوم البرد الشديد، الذي لا تروح بسببه الطير من وكرها البعيد، فإن كنت ترى أن ذلك الملك أساسأن وقد نفع ذلك أناساً فسحبي أن أنظم لك في هذا السلك ما أنشأت نظمه في قول الحكماء في الملك: [الكامل]
الملك بين أسّه الإيمان ... والسقف تقوى الله والإحسان
ومشيد الأركان منه شرائع ... وفراشه عدل به العمران
ومناره السير الحميد فمن حوى ... ذا فلينم فالملك فيه أمان
وإن أروك أن الفروسية زينة الملوك العظام، فأيقن أن الزينة إنما تكون بعد الحصول على التستر بملابس الكرام، وملابس الملك عشر خصال، قد جمعتها لك في لطيف المقال، هو:
أرى الملك محتاجاً لتسع وعاشر ... خصال رووها عن جميع الأكابر
قيام بحفظ الدين بين أولي النهي ... وتنفيذ حكم بين أهل التشاجر
وذبٍّ على كل الحريم ومالهم ... وضبط حدود الله بين العشائر
وتحصين ثغر عن جميع عداته ... وحسن جهاد للمعاند قاهر
وحفظ جبايا المال دون تغافل ... وتقدير ما للمستحق المجاور
وتولية الأمر الأمين الذي له ... مع الحزم حلي النصح غير الظاهر
ومن باشر الأمر المهم بنفسه ... بخبرته أضحى عظيم الأكاسر
فآلة الرمي والفروسية من الأدوات التي لا يعد عدمها نقصاً في الذات بين المدبرين من ذوي الكمالات بخلاف نقصان المرء عند التكلم وإهماله حظ التعلم فتلك حسرة لا يجد لهاة مفوتها من سبيل، وإن أجري في معاملته أنهار السلسبيل: [الوافر]
وما فضل الملوك على الرعاع ... سوى بالذات في كل البقاع
وفضل الذات رحمتهم وحذق الت ... بصر بالمعارف في المراعي