وبما تمهد عبرت عساكر فرنسا حدود تونس معلنة بأنها تريد تأديب قبيلة خمير من أعراب الجبال الشمالية عند حدود الجزائر ولم يتعرض لها أحد بالمصادمة لن حكومة تونس قد تقدمت حالتها الباطنية من التوافق مع فرنسا ومع ذلك فليس عندها تحت السلاح ألفا عسكري ولا اقتدار لها على معارضة فرنسا بالقوة واستندت ظاهراً إلى أمر الدولة العلية بارتكابها سبيل الملاينة واظهر الوزير التونسي إذ ذاك التزام العمل برأي مجلس الشوري حيث فات الإبان مع أن جميع ما يتفاوض فيه يقرره لتابعه علي بالزي ليلاً وهو يقرره إلى نائب فرنسا فكلما غزل المجلس غزلاً نقصه من هو بالمرصاد منهم حتى تعجبوا من اطلاعه على جميع احوالهم، وتمكنت عساكر فرنسا من بلد الكاف وباجة وبنزرت، وفي أثناء تلك المدة كانت الحكومة التونسية لا تزال تسجل وتتشكى وأنها مستعدة لتربية قبائلها الذين هم في نفس الأمر غنما اتخذوا وسيلة فقط، ومع ذلك فقد أوعز الوزير بواسطة تابعه المشار إليه إلى نائب فرنسا بأن لا واسطة مفيدة في الدخول تحت فرنسا إلا قدوم شرذمة من العساكر إلى قصر الوالي والإحاطة به إذ النسوة لما ترى ذلك تصعق بالخوف فيضطر الوالي إلى الإمضاء على الشروط ويجد العذر عند الأهالي، ومع ذلك أرسل خبراً بالسلك الكهربائي إلى الباب العالي يقول أنه قد علم أن فرنسا تطلب عقد شروط ولا يعلم ما هي فماذا يفعل فأجيب من الباب بأن يحيل كلما يطلب منه الباب العالي ولا يمضي شيئاً وقبل ذلك أشاع أصحاب الأخبار أن في عزم الدولة إرسال خير الدين باشا إلى تونس معتمداً في حسم النازلة لمعرفته بأحوالها وسياسة الأهالي والأجانب ولكن يكون عوناً على إبقاء الحالة المعروفة فأرسل الوالي تلغرافاً إلى الباب العالي يطلب أن يكون المرسل غير المشار إليه وتعجب كل غافل عن المقاصد الخفية من ذلك الطلب إذ تلك الحالة لا تدع مجالاً للشخصيات سيما وقد سبقت من خير الدين إلى الوالي المشار إليه المجاملة وعدم الأكتراث بما فعل معه عند حلوله بالأستانة وترقيه فيهأن لكن المطلع على الباطن زاده ذلك تيقناً في التواطؤ على تلك الأعمال لأن وجود مثل خير الدين في تونس لا يروج عليه ما يروج على غيره ممن لم يثافن طبائع الشقين، ومع مجاراة الباب العالي وتقليله لمواقع النزاع قدر الإمكان لتأمين الوالي حيث أظهر الميل إلى الدولة فإنه أي الوالي أسرع إلى إمضاء الشروط مع فرنسا والحال أن مداد الحبر من الباب العالي ينهاه عن الإمضاء لم يجف ولم يجبر الباب بعد ذلك بشيء حتى سأله عما شاع من إمضائه فأجابه بأنه مكره عليه وكل ما ورد بعد ذلك من الباب سلمه غلى نائب فرنسا مدعياً أن الشروط قاضية بلك (وهذا نص تعريب المعاهدة) : إن دولة جمهورية فرنسا ودولة باي تونس أرادوا أن يقطعوا بالمرة التحيير المخرب الذي وقع قريباً في حدود الدولتين وفي شطوط تونس، وأرادوا أن يرابطوا مخالطتهم القديمة التي هي مخالطة مودة وجوار حسن، فاعتمدوا على ذلك وعقدوا معاهدة في نفع الجهتين المهمتين فعلى موجب ذلك رئيس الجمهورية الفرنساوية سمى وكيله مسيو الجنرال برياد الذي يتفق مع حضرة الباي السامية على الشروط الآتية: أولاً: المعاهدات الصلحية والودادية والتجارية وغيرها الموجودة الآن بين الجمهورية الفرنساوية وحضرة الباي يتحتم تقريرها واستمرارها.
ثانياً: ليسهل لدولة الجمهورية إتمام الطرق للتوصل إلى المقصود الذي يعني الجهتين العظيمتين بحضرة الباي ترضى بأن الحكم العسكري الفرنساوي يضع العساكر في المواضع التي يراها لازمة لتقرر وترجع الراحة والأمان في الحدود والشطوط وخروج العساكر يكون عندما يتوافق الحكم العسكري الفرنساوي والتونسي على أن الدولة التونسية تقدر على إقرار الراحة.
ثالثاً: دولة الجمهورية تتعهد لحضرة الباي بان يستند عليها دائماً وهي تدافع عن جميع ما يتخوف منه لضرر ما في نفسه أو في عائلته أو فيما يحير دولته.
رابعاً: دولة الجمهورية الفرنساوية في إجراء المعاهدات الموجودة الآن بين دولة تونس والدول المختلفة الأروباوية.
خامساً: دولة الجمهورية الفرنساوية تحضر نحو حضرة الباي وزيراً مقيماً لينظر في إجراء هاته وهو يكون واسطة فيما يتعلق بالدولة الفرنساوية وذوي المر والنهي التونسيين وفي كل الأمور المشتركة بين المملكتين.