مِنْهَا، عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فَيَمِيزُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجْثُوا الْأُمَمُ قَالَ: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا، وَيَقِفُونَ وَاحِدًا مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، وَيَدْمَعُونَ دَمًا وَيَعْرَقُونَ عَرَقًا إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ وَأَنْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ مِنْهُمْ.
فَيَصْيَحُونَ وَيَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا؟ فَيَقْضِي بَيْنَنَا فَيَقُولُونَ: وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْبَى وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَسْتَفِزُّونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى عَلَيْهِمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يأتوني فَأَنْطَلَقُ حَتَّى آتِيَّ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُبَّمَا قَالَ: قُدَّامُ الْعَرْشِ، حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيَّ مَلَكًا فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي فَيَرْفَعُنِي فَيَقُولُ لِي يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ فَيَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ - وَهُوَ أَعْلَمُ- فَأَقُولُ: يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجيء فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ فَيَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ الْخَلائِقِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يَقْضِي فِيهِ فِي الدِّمَاءِ، وَيَأْتِي كُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَحْمِلُ رَأْسَهُ وَتَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا قَتَلَنَا فُلانٌ وَفُلانٌ ... فَيَقُولُ اللَّهُ- وَهُوَ أَعْلَمُ- أَقُتِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا قُتِلْنَا لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: صَدَقْتُمْ فَيَجْعَلُ لِوُجُوهِهِمْ نُورًا مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تُوَصِّلُهُمُ الْمَلائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَأْتِي مَنْ كَانَ قُتِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يحمل رأسه وتشتخب أَوْدَاجُهُ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا قَتَلَنَا فُلانٌ وَفُلانٌ ... فيقول: لم؟ - وهو أعلم- فيلقون: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ: تَعِسْتُمْ ثُمَّ مَا يَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا إِلا قُتِلَ بِهَا، وَلا مَظْلَمَةٌ ظَلَمَهَا إِلا أَخُذِ بِهَا، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ مَا بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ، عِنْدَ أَحَدٍ إِلا أَخَذَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ يَوْمَئِذٍ شَائِبَ اللَّبَنِ لِلْبَيْعِ الَّذِي كَانَ يَشُوبُ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَبِيعُهُ فَيُكَلَّفُ أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ نَادَى نِدَاءً أَسْمَعَ الْخَلِائِقَ كُلَّهُمْ: أَلا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ من دون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute