إن هذا العلم على شرفه، وعلو منزلته، كان علمًا عزيزًا، مشكل اللفظ والمعنى، ولذلك كان الناس في تصانيفهم مختلفي الأغراض:
[التدوين المطلق]
١ - فمنهم: من قصر همته على تدوين الحديث مطلقًا ليحفظ لفظه، ويستنبط منه الحكم، كما فعله عبد اللَّه بن موسى العبسي، وأبو داود الطيالسي، وغيرهما أولًا وثانيًا أحمد بن حنبل، ومن بعده فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد روايتها فيذكرون مسند أبي بكر الصديق ﵁ مثلًا، ويثبتون فيه كل ما رووه عنه ثم يذكرون بعده الصحابة واحدًا بعد واحد على هذا النسق.
[التصنيف على الكتب والأبواب]
٢ - ومنهم: من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها فيضعون لكل حديث بابًا يختص به، فإن كان في معنى الصلاة ذكروه في باب الصلاة، وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها كما فعل مالك في الموطأ إلا أنه لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه، ثم اقتدى بهما من جاء بعدهما.
وهذا النوع أسهل مطلبًا من الأول؛ لأن الإنسان قد يعرف المعنى، وإن لم يعرف راويه، بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه، فإذا أراد في كتاب الصلاة علم الناظر أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم؛ فلا يحتاج أن يفكر فيه بخلاف الأول.
[التصنيف على الألفاظ والمعاني المشكلة]
٣ - ومنهم: من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظًا لغوية ومعاني مشكلة فوضع لها كتابًا قصره على ذكر متن الحديث، وشرح غريبه، وإعرابه ومعناه، ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة. . . وغيرهما.