وعلى فرض أنَّهم لا يعرفونَها فإنَّهم لا يثابون على تركها لأن من شرط الثواب على الأعمال: الإرادة والقصد، فترك الشىء لعدم العلم به أو القدرة عليه ليس فيه فضل ومزيَّة بخلاف ترك الشيء احتسابًا للأجر وطلبًا للثواب فإنه يثاب عليه، ومثل ذلك من ترك المعصية لعدم العلم بِها أو القدرة عليها فإنه ليس بمنْزلة من تركها خوفًا من الله وطمعًا في ثوابه، والله أعلم.
- وأما ما ذهب إليه الخطابي وغيره من أن المراد من قوله "ولا يسترقون": ترك الرقى توكلًا على الله .. فإنه متعقب بأن فعل الأسباب -والتي من بينها الرقى- لا ينافي التوكل.
ثانيًا: مناقشة مذهب النسخ:
- وأما مذهب النسخ فيُجاب عنه بما يلى:
١ - أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع وهو هنا غير متعذر وقد سبق بيان أوجه الجمع.
٢ - وأما ما ورد في بعض الأحاديث بلفظ "رخص" فليس معناه أن هذه الرقية التي رُخص فيها كان منهيًّا عنها ثم أُجيزت، وإنما معناه أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل عنها فأذن بِها ولو سُئل عن غيرها لأذن فيه، قال النووي رحمه الله عند حديث "رخص في الرقية من العين والحمة والنملة": "ليس معناه تخصيص جوازها بِهذه الثلاثة، وإنما معناه: سُئل عن هذه الثلاثة فأذن فيها ولو سُئل عن غيرها لأذن فيه وقد أذن لغير هؤلاء، وقد رقى هو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غير هذه الثلاثة، والله أعلم"(٢٣).
٣ - وأما ما ورد من كونه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهى عن الرقى ثم أجازها فليس المنهى عنه