للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معروف لا يُجهل فإن القلوب تصعد إليه على قدر ما فيها من الإيمان والمعرفة والذكر والخشية والتوكل، وهذا متفق عليه بين الناس كلهم" (٤٩).

وأما المعنى الثاني: وهو أن المراد بقرب الله تعالى: قربه بعلمه وقدرته فمحل إجماع أيضًا من أهل السنة والجماعة وغيرهم من الطوائف إلا من ينكر علمه القديم من القدرية الأولى (٥٠) وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قربه الذي هو من لوازم ذاته مثل العلم والقدرة، فلا ريب أنه قريب بعلمه وقدرته وتدبيره من جميع خلقه لم يزل بِهم عالمًا ولم يزل عليهم قادرًا.

هذا مذهب جميع أهل السنة وعامة الطوائف إلا من ينكر علمه القديم من القدرية والرافضة (٥١)، ونحوهم، أو ينكر قدرته على الشيء قبل كونه من


(٤٩) مجموع الفتاوى (٥/ ١٣٣).
(٥٠) القدرية: تنقسم القدرية النفاة إلى فرقتين:
١ - القدرية الأولى أو الغلاة: وهم الذين ينكرون سبق علم الله بالأشياء قبل وجودها ويزعمون أن الله لم يقدر الأمور أزلًا ولم يتقدم علمه بها وإنما يأتنفها علمًا حال وقوعها.
٢ - الفرقة الثانية: وهم الذين يقرون بتقدم علم الله تعالى لأفعال العباد قبل وقوعها لكنهم خالفوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى ولا مقدورة له وأن العباد هم الموجدون والخالقون لأعمالهم وأفعالهم على جهة الاستقلال. وهذا المذهب هو الغالب عليهم الآن.
وأول من أظهر بدعة القدر -كما يرجحه كثير من المحققين- معبد الجهنى ثم بعد ذلك ظهرت المعتزلة فتبنت هذه البدعة ونشرتْها، وإن كانت لم تأخذ هذه البدعة بكاملها لأَنَّها آمنت بعلم الله المتقدم وكتابته السابقة (انظر مسلم بشرح النووي (١/ ٢٥٩، ٢٦٩) الفرق بين الفرق (٢٥) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٠، ٤٢٩) لوامع الأنوار (١/ ٣٠٠ - ٣٠١).).
(٥١) الرافضة: اسم يطلق على كل من رفض إمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان سبب هذه التسمية وأول ظهورها أنه لما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك اتبعه الشيعة فسئلوه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتولاهما وترحم عليهما فرفضه قوم منهم فقال: رفضتموني رفضتموني فسموا الرافضة. وقد افترقت الرافضة بعد ذلك إلى أربع فرق: زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة. وافترقت هذه الفرق إلى فرق أخرى كثيرة.

<<  <   >  >>