للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذات العبد إلى ذات ربه، وفي جواز دنو ذات الله القولان" (٥٦).

وبِهذا يتبين أن إثبات قرب الله تعالى بنفسه فيه قولان لأهل السنة:

القول الأول: أن الله تعالى يقرب بنفسه وإلى هذا مال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما رحمة الله تعالى، قال شيخ الإسلام: "وأما قرب الرب قربًا يقوم به بفعله القائم بنفسه: فهذا تنفيه الكلابية (٥٧) ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته، وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك وكذلك كثير من أهل الكلام.

فنُزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا ونزوله عشية عرفة .. ونحو ذلك: هو من هذا الباب، ولهذا حد النُّزول بأنه إلى السماء الدنيا، وكذلك تكليمه لموسى عليه السلام، فإنه لو أريد مجرد تقريب الحجاج وقوَّام الليل إليه لم يخص نزوله بسماء الدنيا، كما لم يخص ذلك في إجابة الداعى وقرب العابدين له، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (٥٨).

وقال أيضًا: "فقرب الشيء من الشىء مستلزم لقرب الآخر منه، لكن قد يكون قرب الثاني هو اللازم من قرب الأول ويكون منه أيضًا قرب بنفسه.

فالأول: كمن تقرب إلى مكة أو حائط الكعبة، فكلما قرب منه قرب


(٥٦) مجموع الفتاوى (٦/ ٨).
(٥٧) الكلابية: هم أتباع أبى محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، يثبتون الأسماء ويثبتون الصفات الخبرية في الجملة إذ أَنَّهم ينفون تعلق الصفات بالمشيئة -الصفات الاختيارية- ويقولون إن هذه الصفات لازمة لذاته قديمة أزلية، فلا يرضى في وقت دون وقت .. ، وإثباتُهم للصفات إنما هو على طريقة أهل الكلام، ولذلك يسميهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: متكلمة أهل الإثبات، وهم يوافقون السلف في أكثر جمل مقالاتِهم ولا يطعنون فيهم. انظر مجموع الفتاوى (٣/ ١٠٣) (٤/ ١٤٧، ١٥٦) (٥/ ٤١٠) (٦/ ٢١٩) مقالات الإسلاميين (١/ ٢٤٩) (٢/ ٢٢٥) شرح العقيدة الطحاوية (٦٨٧).
(٥٨) شرح حديث النُّزول (٣٧٧).

<<  <   >  >>