للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخر منه من غير أن يكون منه فعل.

والثاني: كقرب الإنسان إلى من يتقرب هو إليه كما تقدم في هذا الأثر الإلهي (٥٩)، فتقرب العبد إلى الله وتقريبه له نطقت به نصوص متعددة مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (٦٠) ونحو ذلك، فهذا قرب الرب نفسه إلى عبيده وهو مثل نزوله إلى السماء الدنيا .. فإذا تبين ذلك: فالداعي والساجد يوجه روحه إلى الله تعالى، والروح لها عروج يناسبها، فتقربُ إلى الله بلا ريب بحسب تخلصها من الشوائب، فيكون الله عز وجل منها قريبًا قربًا يلزم من تقربِها.

ويكون منه قرب آخر كقربه عشية عرفة وفي جوف الليل وإلى من تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا" (٦١).

ولكن مع إثبات شيخ الإسلام لقرب الله تعالى بنفسه فإنه لا يجعله المراد في جميع النصوص التي ورد فيها القرب وإنما ينظر إلى النص الوارد فيحمله على المعنى الذي دل عليه سواء كان المعنى الأول للقرب أو الثاني أو الثالث.

قال رحمه الله تعالى: "ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يُراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة وينظر في النص الوارد فإن دلَّ على هذا حمل عليه وإن دل على هذا حمل عليه" (٦٢).

وقال ابن القيم: "والأصل أن الله قريب من المحسنين ورحمته قريبة منهم، فيكون قد أخبر عن قرب ذاته وقرب ثوابه من المحسنين" (٦٣).


(٥٩) يقصد الحديث القدسي: "من تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا .. ".
(٦٠) سورة الإسراء. آية (٥٧).
(٦١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٢٩) وانظر (٥/ ٢٤٠، ٤٦٦) (٦/ ٢٣).
(٦٢) مجموع الفتاوى (٦/ ١٤).
(٦٣) مختصر الصواعق (٢/ ٤٥٩).

<<  <   >  >>