للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن سياق الآيتين: يدل على أن المراد بِهما الملائكة فإنه قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (٤٢).

فقيد القرب بِهذا الزمان، وهو زمان تلقى المتلقيين، قعيد عن اليمين، وقعيد عن الشمال وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب: لم يختص ذلك بهذه الحال ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب، وكذلك قوله في الآية الأخرى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} (٤٣) فلو أراد قرب ذاته لم يخص ذلك بِهذه الحال.

الوجه الرابع: أنه قال في الآية السابقة {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} فإن هذا إنما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال ولكن نحن لا نبصره، والرب تعالى لا يراه في هذه الحال لا الملائكة ولا البشر (٤٤).

وكما لا يجوز أن يكون المراد بِهذا القرب: قرب ذات الرب جلَّ وعلا فكذلك لا يجوز أن يكون المراد بِهذا القرب: قرب الرب الخاص كما في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} فإن ذلك إنما هو قربه إلى من دعاه أو عبده، وهذا المحتضر قد يكون كافرًا أو فاجرًا أو مؤمنًا أو مقربًا ومعلوم أن المكذب أو الكافر لا يخصه الرب بقربه من دون من حوله، وقد يكون حوله مؤمنون (٤٥).


(٤٢) سورة ق. آية (١٦، ١٧، ١٨).
(٤٣) سورة الواقعة. آية (٨٣، ٨٤، ٨٥).
(٤٤) انظر شرح حديث النُّزول (٣٧٠).
(٤٥) انظر: شرح حديث النُّزول (٣٧٣).

<<  <   >  >>