للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يدرك بصره كل البحر، ويقول: رأيت الشمس وهو عاجز عن الإحاطة بِها على ما هى عليه، والعرب تقول: رأيت الشيء وما أدركته، وعلى هذا فإن الله تعالى يُرى لكن لا يُدرك ولا يحاط به لعظمته تعالى، ونظير جواز وصفه بأنه يُرى ولا يدرك: جواز وصفه بأنه يعلم ولا يُحاط بعلمه كما قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (١٢) فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيء من علمه إلا بما شاء: نفى عن أن يعلموه، فهو تعالى يُعلم ولا يحاط به علمًا ويُرى ولا يحاط به لكمال عظمته عز وجل.

وهذا التفسير للآية ذكره الطبري عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي (١٣) ونسبه البغوي لسعيد بن المسيب وعطاء ومقاتل (١٤) وهو قول جمع من أهل العلم كالطبري والآجري والبغوي والقرطبي والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز وابن حجر ومحمد الأمين الشنقيطي (١٥) وغيرهم.

وهو قول أهل اللغة أيضًا قال الزجاج في معنى الآية "أي لا يُبلغ كُنه حقيقته، كما تقول أدركت كذا وكذا" (١٦).

وقال أيضًا: "معنى هذه الآية إدراك الشيء والإحاطة بحقيقته" (١٧).

وبِهذا يتضح أن الآية ليست نصًّا صريحًا في نفى الرؤية، وإنما هو استنباط


(١٢) سورة البقرة. آية (٢٥٥).
(١٣) انظر تفسير الطبري (٥/ ٢٩٤).
(١٤) انظر معالم التنْزيل (٢/ ١٢٠).
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥) والشريعة للآجري (٢/ ١٠٤٨) وتفسير البغوي (٢/ ١٢٠) والمفهم (١/ ٤٠٤) ومسلم بشرح النووي (٣/ ٩) وحادي الأرواح (٣٧٠) وتفسير ابن كثير (٢/ ٢٥٨) وشرح العقيدة الطحاوية (٢١٥) وفتح الباري (٨/ ٦٠٧) ودفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب للشنقيطي (٩٢).
(١٦) معاني القرآن الكريم للنحاس (٢/ ٤٦٧).
(١٧) انظر: تَهذيب اللغة للأزهري (١٢/ ١٧٨) ولسان العرب (٤/ ٦٤) كلاهما مادة: (بصر).

<<  <   >  >>