للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع أن هذا الفهم الذي فهمه الصديق رضى الله عنه جاء ما يؤيده مرفوعًا إلى النبي -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابُهم على الله" (١١) " (١٢).

فإذا عُلم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدَّى الشهادتين مطلقًا بل قد يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة (١٣).

وبِهذا القول يُعلم الجمع -أيضًا- بين الأحاديث التى فيها تحريم النار على من قال لا إله إلا الله والأحاديث التي فيها خروجه من النار بالشفاعة، وذلك بأن يكون المراد بتحريم النار على من قال لا إله إلا الله: من قالها مستوفيًا لشروطها منتفية عنه موانعها.

-وأما ما ذهب إليه أصحاب المسلك الثاني من التأويلات لأحاديث الوعد فإنَّها -وإن كانت محتملة- إلا أنَّها بعيدة عن ظاهر هذه الأحاديث ولذلك عدها ابن القيم رحمه الله من التأويلات المستكرهة (١٤).

- وأما ما ذهب إليه القائلون بأن أحاديث الوعد كانت قبل نزول الفرائض ثم نزلت نصوص الفرائض والحدود فنسختها فإنه بعيد جدًّا -سواء كان مرادهم


(١١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} (١/ ١٧) ح (٢٥). ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله .. (١/ ٣٢٥) ح (٢٢).
(١٢) قال النووى رحمه الله: "وفي استدلال أبى بكر واعتراض عمر رضى الله عنهما دليل على أنَّهما لم يحفظا عن رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رواه ابن عمر فإن عمر رضى الله عنه لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث فإنه بِهذه الزيادة حجة عليه، ولو سمع أبو بكر رضى الله عنه هذه الزيادة لاحتج بِها ولما احتج بالقياس والعموم والله أعلم" مسلم بشرح النووي (١/ ٣٢٠).
(١٣) انظر التوحيد لابن رجب (٤٣ - ٤٥).
(١٤) انظر مدارج السالكين (١/ ٣٥٩).

<<  <   >  >>