للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعملوا خيرًا قط" (١٨) من الجنس الذي يقول العرب بنفى الاسم عن الشىء لنقصه عن الكمال والتمام فمعني هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرًا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعني في مواضع من كتبى" (١٩).

ويشهد لهذا التوجيه حديث المسيء صلاته حيث قال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فإن النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُرد في هذا الحديث نفى مطلق الصلاة لأنَّه قد رآه يصلي وإنما أراد نفى حقيقة الصلاة وكمالها الواجب (٢٠).

وثانيهما: أن يقال أنه محمول على حالات خاصة يكون فيها تارك جنس العمل غير مخلد في النار، وقد لا يدخلها أصلًا. ومن هذه الحالات التي يمكن تطبيق هذا الحديث عليها ما يلى:

١ - سكان الأطراف البعيدة والجزر النائية ممن لم يصلهم من الإسلام إلّا اسمه وينتشر فيهم الشرك والجهل في الدين فهم غافلون عنه أو معرضون عمن تعلمه ولا يعرفون من أحكامه شيئًا، فهؤلاء لا شك أن فيهم المعذور وفيهم المؤاخذ.

والمؤاخذون درجات، فقد يخرج بعضهم عن حكم الإسلام بمرة، وقد يكون لا يخلد في النار .. وهكذا مما لا يعلم حقيقته إلا علام الغيوب.

٢ - بعض شرار الناس آخر الزمان حين يفشو الجهل ويندرس الدين، وعلى هذا جاء حديث حذيفة رضى الله عنه مرفوعًا: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يُدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويُسْرى على


(١٨) وردت هذه الجملة في بعض ألفاظ الحديث.
(١٩) التوحيد (٢/ ٧٣٢).
(٢٠) انظر كتاب الإيمان لأبي عبيد (٤١ - ٤٢)، ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامى للدكتور سفر الحوالي (٢/ ٧٥٢) وانظر أيضًا ص (٣٥٩) من هذا البحث.

<<  <   >  >>