للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرَّق بين إطلاق هذه الأحاديث وبين الحكم بِها على المعيَّن، وذلك كما في حديث أنس رضى الله عنه قال: "لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربَها وحاملها .. " (٢٤).

ففى هذا الحديث أطلق رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللعن على شارب الخمر على وجه العموم.

وثبت في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب: أن رجلًا على عهد النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله" (٢٥) ففى هذا الحديث نَهى رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لعن هذا الرجل الذي يشرب الخمر مع إصراره على شربه وفي الحديث الأول لعن شارب الخمر، وذلك لأن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعيَّن الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له (٢٦).

وهذا التفريق بين إطلاق نصوص الوعيد وبين الحكم بِها على معين يجب تطبيقه في جميع نصوص الوعيد المتعلقة بأحكام الآخرة، فمثلًا قوله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" (٢٧) يجب العمل به في تحريم اقتتال المؤمنين بغير حق، واعتقاد أن فاعل ذلك متوعد بِهذا الوعيد، ومع


(٢٤) أخرجه الترمذى (تحفة ٤/ ٥١٦) ح (١٣١٣) وقال: هذا حديث غريب من حديث أنس، وقد رُوي نحو هذا عن ابن عبَّاس وابن مسعود وابن عمر عن النبي -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأخرجه ابن ماجه (٢/ ١١٢٢) ح (٣٣٨١) وقال الألباني عن إسناد الترمذي: حسن صحيح، انظر صحيح سنن الترمذي (٢/ ٢٧) ح (١٠٤١).
(٢٥) أخرجه البخارى (٦/ ٢٤٨٩) ح (٦٣٩٨).
(٢٦) انظر مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٢٩)، (٤/ ٤٧٤، ٤٨٤).
(٢٧) متفق عليه من حديث أبى بكرة: البخارى (١/ ٢٠) ح (٣١). ومسلم (١٨/ ٢٢٦) ح (٢٨٨٨).

<<  <   >  >>