للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لإنكارها.

ولعل الذي دفع ابن حجر رحمه الله وغيره من أهل العلم إلى إنكار العدوى ونفيها هو أن حاملات المرض من البكتريا والفيروسات وغيرها لا ترى بالعين المجردة، وإنما ترى بالأجهزة الدقيقة والمجاهر الإلكترونية وهذا ما لم يطلع عليه الأوائل، وإنما اكتُشِفَ ذلك بعد تطور العلم وتقدمه. والله أعلم.

ب - وأما ما استدل به من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يُعدي شيء شيئًا" فإنه يقال فيه كما قيل في حديث "لا عدوى" من أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد بذلك نفى ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن المرض يعدي بطبعه دون تقدير الله تعالى ويدل على ذلك آخر الحديث فإنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا قال ذلك قام أعرابي فقال: يا رسول الله إن النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل الإبل جربًا؟ قال: فسكت ساعة، فقال: "ما أعدى الأول؟ لا عدوى ولا صفر ولا هامة. خلق الله كل نفس فكتب حياتَها وموتَها ومصيباتِها ورزقها".

ثانيًا: مناقشة مذهب النسخ:

سبق أن ذكرنا أن القول بالنسخ -وهو نسخ الأحاديث المثبتة للعدوى بحديث "لا عدوى"- قال به جماعة من السلف وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولكن دعوى النسخ هذه مردودة بما يلى: -

١ - أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع -كما هو مقرر في علمي أصول الفقه (١٢) ومصطلح الحديث (١٣) - والجمع هنا غير متعذر وقد سبق


(١٢) انظر: روضة الناظر لابن قدامة (٢/ ٤٥٧)، شرح الكوكب المنير للفتوحى (٦٣٥).
(١٣) انظر: مقدمة ابن الصلاح (١٧٢)، الباعث الحثيث (١٧٠).

<<  <   >  >>