للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها من قول خلق من خلق الله؛ لم يجز أن ينسخها إلا مثلها، ولا مثل لها غير سنة رسول الله؛ لأن الله لم يجعل لآدمي بعده ما جعل له؛ بل فرض على خلقه اتباعه، فألزمهم أمره، فالخلق كلهم له تبع، ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه، ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها، ولم يقم مقام أن ينسخ شيئًا منها". ثم قال بعد ذلك: "فإن قال قائل: هل تنسخ السنة بالقرآن؟

قيل: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي فيه سنة تبيِّن أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتى تقوم الحجة على الناس، بأن الشيء ينسخ بمثله" (١).

• المثال الثاني:

ما ذكره الجَصَّاص في فصل جواز نسخ السنة بالقرآن: "والدليل على جواز نسخ السنة بالقرآن قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩]، فإذا كان النسخ بيانًا لمدة الحكم على ما بينا؛ اقتضى عموم الكتاب جواز نسخ السنة به (٢) ...

فإن قال قائل: إن هذا القول الذي عارضت به ما حكيت يرده ظاهر الكتاب؛ لأن الله تعالى قال: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، وقال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} [النحل: ١٠١]، فقد أفصح الكتاب بأن بعضه ينسخ بعضًا.

قيل له: نقول لك: إنما أفصح الكتاب بوجود النسخ في القرآن ولا دلالة فيه على أنه نسخه بقرآن مثله أو بغيره؛ لأنه لا يمتنع أن يكون مراده: ما ننسخ من آية بسنة نوحي بها إليك نأت بخير منها" (٣).


(١) الرسالة (ص: ١٨٣).
(٢) الفصول في الأصول (٢/ ٣٢٤).
(٣) المرجع السابق (٢/ ٣٢٧).

<<  <   >  >>