للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقتضي التكرار؛ لأن معنى التكرار أن يفعل فعلاً وبعد فراغه منه يعود إليه، وهذا لا يوجد في النهي؛ لأن الكف مرة واحدة مستدام وليس بأفعال مكررة، بخلاف الأمر؛ فإنه يوجد أفعال متكررة على ما ذكرنا. والأمر فيه دليل على الفعل، وليس فيه دليل على إعادة الفعل بعد الفراغ منه.

وعلى أنه إن ثبت الفرق الذي قالوه فيقال: لا فرق بينهما لغة؛ فإن واحدًا منهما لا يفيد التكرار لغة؛ وإنما افترقا من حيث العرف؛ فإن من قال لغلامه: افعل كذا واخرج إلى السوق؛ فإن هذا الأمر يقتضي أن يفعل مرة فقط. وإذا قال: لا تخرج أو لا تفعل؛ يقتضي هذا النهي أن لا تفعل أبدًا. فالفرق كان من حيث العرف؛ لا من حيث اللغة.

وقد قال بعض أصحابنا في الفرق بين الأمر والنهي: إن في حمل الأمر على التكرار ضيقًا وحرجًا يلحق الناس؛ لأنه إذا كان الأمر يقتضي الدوام عليه لم يتفرغ لسائر أموره، وتتعطل عليه جميع مصالحه. وأما النهي لا يقتضي إلا الكف والامتناع، ولا ضيق ولا حرج في الكف والامتناع؛ وهذا لأن الوقت لا يضيق عن أنواع الكف، ويضيق عن أنواع الفعل.

وهذا الفصل (١) يضعف؛ لأن الكلام في مقتضى اللفظ في نفسه، وأما التضايق وعدم التضايق معنى يوجد من بعد، وربما يوجد وربما لا يوجد، فلا يجوز أن يعرف مقتضى اللفظ منه. وعلى أنه يلزم على هذا الفصل أن يقتضي الأمر الفعل على الدوام إلا القدر الذي يتعذر عليه ويمنعه من قضاء حاجته، وهذا لا يقوله أحد.

وقد بيَّنَّا الفرق بين الأمر والنهي في قولنا: إن الأمر لا يقتضي فعلاً على وجه التنكير، وهو ما يخص في الأمر ويعم في النهي، وهو جواب معتمد.

وأيضًا فإنه يمكن أن نفرق بينهما بالمسائل التي ذكرناها في البر والحنث،


(١) أي قول بعض الأصحاب من الشافعية في التفريق بين الأمر والنهي.

<<  <   >  >>