للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أصحابنا من قال: لا يجوز إجراء العلة في كل موضع وجدت حتى يدل الدليل على ذلك، وهو قول البصري (١) من أصحاب أبي حنيفة ...

واحتجوا: بأن الأحكام إنما شرعت لمصلحة المكلفين، فيجوز أن تكون حلاوة السكر تدعو الإنسان إلى تناوله، وحلاوة غيره لا تدعو إلى تناوله؛ لأن الداعي إذا دعا إلى شيء لا يجب أن يدعو إلى كل ما شاركه في ذلك المعنى؛ ولهذا يجوز أن تدعوه الشهوة إلى أكل السكر، ولا تدعوه إلى أكل العسل، وإن اشتركا في الحلاوة، فإذا كان ذلك كذلك جاز أن يعلل تحريم السكر في الحلاوة لما في تحريمه من المصلحة؛ إلا أنه جعله أمارة على التحريم حيث وجدت، فلا يجوز قياس غيره عليه إلا بدليل.

قلنا: لو كان القصد به ما ذكرتم لاقتصر على بيان الحكم، ولما ذكر الحكم وعلته دل على أنه قصد إجراءها حيث وجدت.

قالوا: لو كان ذكر التعليل في شيء يقتضي الطرد والجريان؛ لوجب إذا قال الرجل: أعتقت عبدي فلانًا لأنه أسود: أن يعتق عليه كل عبد أسود، ولما بطل أن يقال هذا؛ دل على أن ذكر العلة لا يقتضي الطرد والجريان.

ولأنه لو لم يقصد إثبات الحكم في كل موضع وجدت فيه العلة، لم يفد ذكر التعديل شيئًا، وصار لغوًا.

قلنا: إنما لم يلزم من ذلك في حق الواحد منا؛ لأنه تجوز عليه المناقضة في أقواله


(١) هو: هلال بن يحي بن مسلم البصري، لقب بالرأي؛ لسعة علمه وكثرة فقهه، وكان عالماً بالشروط، أخذ عن أبي يوسف وزفر. من مصنفاته: "أحكام الوقف"، و" الشروط"، (ت: ٢٤٥ هـ).
تُنظر ترجمته في: الأنساب (٣/ ٣٥)؛ الجواهر المضِيَّة (٣/ ٥٧٢)؛ تاج التراجم (ص: ٣١٢).
ولم أقف على ناقل لقوله.

<<  <   >  >>