للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه قد كان موجودًا قبل ذلك ولم يوجد الحكم، ولأنه صار موجبًا بجعل جاعل، فيجب أن لا يكون علة إلا حيث جعلها علة.

واستدرك على دليلهم هذا بقياس الخُلْف فقال: لو كان قولكم هذا صحيحًا؛ لوجب أن لا يكون علة إلا في الزمان الذي جعله فيه علة؛ ولكن لم يصح هذا في الزمان، فالنتيجة: لم يصح قولكم في الأعيان، فاستثناء نقيض تاليه يستلزم نقيض مقدمه؛ وذلك لأن نفي اللازم نفي الملزوم.

• المثال الثاني:

وقال -أي الشيرازي- في موضع آخر في مسألة (القياس في الحدود والكفارات والمقدرات): "يجوز إثبات الحدود والكفارات والمقدرات بالقياس. وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يجوز (١) ...

واحتجوا: بأن الحد شرع للزجر والردع عن المعاصي، والكفارة وضعت لتكفير المأثم، وما يقع به الردع والزجر من المعاصي، ويتعلق به التكفير عن المأثم لا يعلمه إلا الله تعالى، فكذلك اختصاص الحكم بقدر دون قدر لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يجوز إثبات شيء من ذلك بالقياس.

الجواب: هو أن هذا لو كان طريقًا في نفي القياس في هذه الأحكام؛ لوجب أن يجعل مثل ذلك طريقًا في نفي القياس في سائر الأحكام؛ كما فعله نفاة القياس فقالوا: إن الأحكام شرعت لمصلحة المكلفين، والمصلحة لا يعلمها إلا الله تعالى، فيجب أن لا يعمل فيها بالقياس، ولما بطل هذا في نفي القياس في سائر الأحكام؛ بطل في نفي القياس في هذه الأحكام" (٢).


(١) يُنظر: الفصول في الأصول (٤/ ١٠٥ - ١٢٤)؛ أصول السرخسي (٢/ ١٦٤)؛ فواتح الرحموت (٢/ ٣١٧ - ٣١٩).
(٢) التبصرة (ص: ٢٧٦ - ٢٧٧).

<<  <   >  >>