للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فإن قيل: لو كانت السببية (١) حكمًا شرعيًا؛ لافتقرت في معرفتها إلى سبب آخر يعرِّفها، ويلزم من ذلك إما الدور إن افتقر كل واحد من السببين إلى الآخر، وإما التَّسَلْسُل (٢) وهو محال.

وأيضًا فإن الوصف المعرِّفَ للحكم إما أن يعرفه بنفسه أو بصفةٍ زائدة.

فإن كان الأول لزم أن يكون معرفًا له قبل ورود الشرع، وهو محال.


(١) قال العضد الإيجي: الحكم على الوصف بالسببية هو: جعل الوصف ظاهرًا منضبطًا مناطًا لوجود حكم. فلله تعالى في الزنا حكمان: الأول: وجوب الجلد. والثاني: سببية الزنا له. يُنظر: شرح مختصر المنتهى الأصولي للعضد (٢/ ٢٢٥).
(٢) التسلسل: هو ترتيب أمور غير متناهية. يُنظر: التعريفات (ص: ٨٠)؛ التعاريف (ص: ١٧٥).
وسمي بذلك أخذًا من السلسلة، فهي قابلة لزيادة الحِلَق إلى ما لانهاية، فالمناسبة بينهما: عدم التناهي بين طرفيهما؛ ففي السلسلة مبدؤها ومنتهاها، وأما التسلسل فطرفاه الزمن الماضي والمستقبل. يُنظر: مصطلحات في كتب العقائد (ص: ٧١ - ٧٢).
وقد تحدث شيخ الإسلام عن التسلسل في مواضع كثيرة مختلفة من كتابه "درء التعارض"؛ ومن ذلك قوله: "ولفظ التسلسل يراد به التسلسل في المؤثرات؛ وهو أن يكون للحادث فاعل، وللفاعل فاعل، وهذا باطل بصريح العقل، واتفاق العقلاء .. التسلسل في تمام الفعل والتأثير، وهو نوعان: تسلسل في جنس الفعل، وتسلسل في الفعل المعين. فالأول مثل أن يقال: لا يفعل الفاعل شيئًا أصلاً حتى يفعل شيئًا معينًا، أولا يحدث شيئًا حتى يحدث شيئًا، أو لا يصدر عنه شيء حتى يصدر عنه شيء، فهذا أيضًا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء ... وأما الثاني فيجوز أن يكون كل ما يعتبر في حدوث المعين كالفلك وغيره حادثًا ولا يلزم من حدوث شرط الحادث المعين هذا التسلسل؛ بل يلزم منه التسلسل المتعاقب في الآثار؛ وهو أن يكون قبل ذلك الحادث حادث، وقبل ذلك الحادث حادث، وهذا جائز عندهم وعند أئمة المسلمين. يُنظر: درء التعارض (١/ ٣٦٣ - ٣٦٥).

والخلاصة: أن التسلسل في الآثار -التي هي الأفعال- جائز، وأما التسلسل في المؤثرين -الذين هم الفاعلون والعلل الفاعلة ونحوه- فهذا ممتنع. وبهذا يتضح أن القول بأن التسلسل ممتنع على الإطلاق ليس بصحيح.
وذكر ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية تقسيم التسلسل إلى: محال، وواجب، وممكن، فليُنظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ١٠٦ - ١٠٩).

<<  <   >  >>