للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان بصفة زائدة عليه؛ فالكلام في تلك الصفة، كالكلام في الأول، وهو تسلسل ممتنع.

وأيضًا فإن الطريق إلى معرفة كون الوصف سببًا للحكم إنما هو ما يستلزمه من الحِكْمة (١) المستدعية للحُكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وذلك ممتنع لوجهين:

الأول: أنه لو كانت الحكمة مُعرِّفة لحكم السببية؛ لأمكن تعريف الحكم المسبب بها من غير حاجة إلى توسط الوصف، وليس كذلك بالإجماع.

الثاني: أن الحكمة إما أن تكون قديمة أو حادثة.

فإن كان الأول لزم من قِدَمها قِدَمُ موجبها، وهو معرفة السببية.


(١) الحكمة في الاصطلاح: ما يترتب على التشريع من جلب مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة أو تقليلها. يُنظر: حاشية البناني (٢/ ٢٣٧)؛ معجم مصطلحات أصول الفقه (ص: ١٨٤).
من قال بتعليل الأحكام اتفق على تعليل الحكم بالوصف الظاهر المنضبط المشتمل على الحكمة؛ وذلك مثل: تعليل قصر الصلاة للمسافر وإباحة الفطر بالسفر، أو تعليل إيجاب حد الزنا بالزنا. واختلفوا في تعليل الحكم بالحكمة نفسها، كتعليل قصر الصلاة وإباحة الفطر بدفع المشقة، أو تعليل إيجاب حد الزنا بمنع اختلاط الأنساب، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز تعليل الحكم بالحكمة مطلقًا - سواء كانت ظاهرة أو خفية، منضبطة أو غير منضبطة-؛ لأنها المقصود في التعليل. وذهب إلى ذلك بعض الأصوليين؛ منهم: الغزالي، والرازي، وبعض الحنابلة. يُنظر: شفاء الغليل (ص: ٦١٤)؛ المحصول (٥/ ٢٨٧)؛ التحبير (٧/ ٣١٩٥).
القول الثاني: المنع من التعليل بها مطلقًا؛ لخفائها وعدم انضباطها، وهو مذهب جمهور الأصوليين. ذكره الآمدي (٣/ ٢٥٤).
القول الثالث: التفصيل، فيجوز التعليل بالحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة بنفسها، ولا يجوز التعليل بها إذا كانت خفية مضطربة، وهو مذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة، واختيار الآمدي وابن الحاجب والصفي الهندي. يُنظر: الإحكام (٣/ ٢٥٤)؛ مختصر ابن الحاجب (٢/ ١٠٤٠)؛ نهاية الوصول (٨/ ٣٤٩٥)؛ التحبير (٧/ ٣١٩٥)؛ فواتح الرحموت (٢/ ٣٣٣).

<<  <   >  >>