للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بيان الاستدراك:

قوله: (لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ) ردّ من نوح - عليه السلام - على قول الملأ من قومه: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، والاستدراك الذي في قوله: (وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) لرفع ما توهّموه من أنّه في ضلال حيث خالف دينهم؛ وذلك أن القوم لما أثبتوا له الضلال أرادوا به ترك دين الآباء، فحين نفى الضلالة توهم منه أنه على دين آبائه وترك دعوى الرسالة، فوقع الإخبار بأنه رسول وثابت على الصراط المستقيم استدراكًا لذلك.

وقيل: هو استدراك مما قبله باعتبار ما يستلزمه من كونه في أقصى مراتب الهداية؛ فإن رسالته من رب العالمين مستلزمة له لا محالة؛ كأنه قيل: ليس بي شيء من الضلالة؛ لكني في الغاية القاصية من الهداية. وحاصل ذلك: أن (لكن) حقها أن تتوسط بين كلامين متغايرين نفيًا وإثباتًا، والتغاير هنا حاصل من حيث المعنى؛ كما في قولك: جاءني زيد لكن عمرًا غاب. وفائدة العدول عن الظاهر: إرادة المبالغة في إثبات الهداية على أقصى ما يمكن، كما نفى الضلالة كذلك، فهذا الاستدراك زيادة على الجواب؛ إذ قوله: (لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ) كان كافيًا فيه، فيكون من الأسلوب الحكيم الوارد على التخلص إلى الدعوة على وجه الترجيع المعنوي؛ لأنه بدأ بالدعوة إلى إثبات التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، فلما أراد إثبات الرسالة لم يتمكن لما اعترضوا عليه من قولهم: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، فانتهز الفرصة وأدمج مقصوده في الجواب على أحسن وجه؛ حيث أخرجه مخرج الملاطفة والكلام المنصف؛ يعني دعوا نسبة الضلال إلي وانظروا ما هو أهم لكم من متابعة ناصحكم وأمينكم ورسول رب العالمين. (١)

• الآية الثالثة:

قوله تعالى في موقعة بدر: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال: ١٧].


(١) يُنظر: روح المعاني (٨/ ١٥١).

<<  <   >  >>