للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بيان الاستدراك:

تضمنت الآية إخباراً عن حالة أفعال فعلها المخاطبون كان المقصود إعلامهم بنفي ما يظنونه من أن حصول قتل المشركين يوم بدر كان بأسباب ضَرب سيوف المسلمين، فأنبأهم أن تلك السيوف ما كان يحق لها أن تؤثر ذلك التأثير المصيب بإبطال ذوي شجاعة، وذوي شوكة؛ وإنما كان ضرب سيوف المسلمين صورياً أكرم الله المسلمين بمقارنته فعلَ الله تعالى الخارقَ للعادة، فالمنفي هو الضرب الكائنُ سببَ القتل في العادة، وبذلك كان القتل الحاصل يومئذٍ معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكرامة لأصحابه.

وأصل الخبر المنفي أن يدل على انتفاء صدور المسند عن المسند إليه؛ لا أن يدل على انتفاء وقوع المسند أصلاً؛ فلذلك صح النفي في قوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) مع كون القتل حاصلاً، وإنما المنفي كونه صادراً عن أسبابهم.

ووجه الاستدراك المفاد بـ (لَكِنَّ): أن الخبر نفى أن يكون القتل الواقع صادراً عن المخاطبين، فكانَ السامعُ بحيث يتطلب أكان القتلُ حقيقة أم هو دون القتل، ومَن كان فاعلاً له؟ فاحتيج إلى الاستدراك بقوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ).

ثم ذكر تأييدًا إلهيًّا آخرَ؛ وهو إشارة إلى ما ذكره المفسرون: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن حرّض المؤمنين على القتال يوم بدر أتاه جبريل فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها. فأخذ حفنة من الحَصْبَاء (١) فاستقبل بها المشركين، ثم قال: «شاهت الوجوه»، ثم نفحهم بها، فلم يبق مشرك إلا أصابه شيء من الحصا في عينيه، فشغل بعينيه، ثم أمر أصحابه فقال: «شُدوا»، فكانت الهزيمة على المشركين. والمراد بالنفي في قوله: (وَمَا رَمَيْتَ) هو الرمي بمعنى أثره وحصول المقصود منه؛ وليس المراد نفي وقوع الرمي؛


(١) الحصباء: صغار الحجارة. يُنظر: النهاية في غريب الأثر (١/ ٣٩٣). ويُنظر: لسان العرب (٤/ ١٣٦)؛ المصباح المنير (١/ ١٣٨) مادة: (حصب).

<<  <   >  >>