للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشاعرة القائلين بأن العقل لا مدخل له في الأحكام يستلزم منه دخول علم الأخلاق في حد الفقه، لأنها أحكام لا تدرك بالعقل عندهم؛ بل بخطاب الشرع.

فاستدرك عليه التفتازاني: بأن هذا اللازم إنما يصح لو كان علم الأخلاق من الأحكام العملية، وليس كذلك. كما استدرك على المحبوبي نسيانه ما ذكره سابقًا في تعريف الفقه: معرفة النفس ما لها وما عليها (١). بزيادة قيد: ويزداد عملاً؛ ليخرج علم الأخلاق؛ حيث قال: "ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات؛ كوجوب الإيمان ونحوه، والوجدانيات (أي: الأخلاق الباطنة، والملكات النفسانية)، والعمليات؛ كالصلاة والصوم والبيع ونحوها، فمعرفة ما لها وما عليها من الاعتقاديات هي علم الكلام، ومعرفة مالها وما عليها من الوجدانيات هي علم الأخلاق والتصوف؛ كالزهد والصبر والرضا وحضور القلب في الصلاة ونحو ذلك, ومعرفة ما لها وما عليها من العمليات هي الفقه المصطلح. فإن أردت بالفقه هذا المصطلح زدت: (عملاٌ) على قوله: (مالها وما عليها)، وإن أردت ما يشمل الأقسام الثلاثة لم تزد" (٢).

فالتفتازاني يقرر نسيان المحبوبي إما لقيد: "عملاً" في تعريف الفقه سابقًا، أو قيد "العملية" في هذه الأحكام - الجود والتواضع والبخل والتكبر -.

• المثال الثالث:

قال أمير حاج في مسألة (البيان يكون بالفعل كالقول): "فلو تعاقبا -أي القول والفعل الصالح كل منهما أن يكون بيانًا- وعلم المتقدم؛ فهو -أي المتقدم- البيان قولاً كان أو فعلاً؛ لحصوله به، والثاني تأكيد؛ وإلا إذا لم يعلم المتقدم فأحدهما من غير تعيين هو البيان .... فإن تعارضا، قالوا: كما لو طاف بعد آية الحج طوافين، وأمر بطواف واحد، وقد ورد كلاهما، فعن علي - رضي الله عنه -: «أَنَّه جَمَعَ بينَ الْحجِّ والْعُمْرَةِ؛ فَطَافَ طوَافَيْنِ،


(١) وهو تعريف أبي حنيفة - رحمه الله -. يُنظر: التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (١/ ٣١)؛ كشف الأسرار للبخاري (١/ ٢٥).
(٢) التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (١/ ٣٤).

<<  <   >  >>