للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحمد قد التزم الإنتقاء على الرغم من كثرة الأحاديث التي اشتمل عليها، فهو بهذا يضاهي السنن ويقع في مصافها من حيث درجة الصحة الإجمالية، حتى قال الحافظ ابن حجر: وليست الأحاديث الزائدة في "مسند أحمد" على ما في "الصحيحين" بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة على "الصحيحين" من "سنن أبي داود" و"جامع الترمذي" (١).

وبعد، فهل يصح إطلاق القول بأن ما في "المسند" صحيح في الجملة، على معنى أن الرجال الذين أخرج لهم الإمام أحمد في كتابه هذا هم من رجال الصحيح، ولو على مثل شرط ابن خزيمة أو ابن حبان؟

والجواب: أن هناك من ادعى الصحة في "المسند" كما سبقت الإشارة في كلام ابن حجر إلى الحافظ أبي موسى المديني (٥٨١ هـ) أنه ذهب إلى القول بذلك، وهذا نصه في "خصائص المسند": ولم يخرّج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طُعن في أمانته (٢).

وقال في موضع لاحق: ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد، -رَحِمَهُ اللهُ- "مسنده" قد احتاط فيه إسناداً ومتناً. ولم يورد فيه إلا ما صح عنده (٣) .. ثم ساق مثالاً لقوله.

فعلى قول الحافظ أبي موسى يكون كل ما في "المسند" صحيحاً، وهذا القول لم يذهب إليه أحد مت العلماء الكبار -فيما نعلم- غيره، ويبدو أن هذا القول كان شائعاً بين الناس في أصبهان -وهي بلاد الحافظ أبي موسى- وخراسان، حتى عُرض سؤال على ابن الجوزي (٥٩٧ هـ) في بغداد حول هذا الموضوع، ذكره في "صيد الخاطر" (٤) فقال:

سألني بعمق أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح؟ فقلت: نعم. فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب، فحملت أمرهم على أنهم عوام، وأهملت فكر ذلك. وإذا بهم قد كتبوا فتاوى، فكتب فيها جماعة من أهل خراسان، منهم أبو العلاء الهمداني، يعظمون هذا القول، ويردونه، ويقبحون قول من قاله! فبقيت دهشاً


(١) المصدر السابق.
(٢) خصائص المسند ص: ٦.
(٣) المصدر السابق ص: ٨.
(٤) ص ٢٤٥ - ٢٤٦.