متعجباً. وقلت في نفسي: واعجباً! صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضاً، وما ذلك إلا أنهم سمعوا اهديث ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه، وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد. وليس كذلك، فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء، ثم هو قد ردّ كثيراً مما روى ولم يقل به، ولم يجعله مذهباً له. أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ: مجهول؟ ومن نظر في كتاب "العلل" الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في "المسند" وقد طعن فيها أحمد. اهـ.
فادعاء أن ما اشتمل عليه "المسند" كله صحيح يخالف الواقع، إذ إن الطعن في الحديث وإيراده في كتب العلل يؤذن بعدم سلامته ونزوله عن درجة الصحيح إن لم يكن ضعيفاً أو موضوعاً، وقد أورد الخلال جملة من أحاديث "المسند"، في كتابه "العلل" ويوجد في كتاب "العلل" للإمام أحمد نفسه أحاديث من "المسند"، وقد أورد ابن الجوزي جملة من أحاديث "المسند" أيضاً في كتابيه "الموضوعات" و"العلل المتناهية"، مما يدل على أن "المسند" لا يخلو من الأحاديث الضعيفة، وإن كان المحققون لم يسلموا ببعض ما ادُّعي فيه الضعف الشديد والوضع.
إذن فليس هناك من العلماء من أيد الحافظ أبا موسى المديني في ذهابه إلى القول بصحة ما في "المسند" من حديث، اللهم إلا السيوطي (٩١١ هـ) فإنه عد جملة ما في "المسند" صالحاً للإحتجاج، فقد قال في مقدمته للجامع الكبير: وكل ما كان في "مسند أحمد" فهو مقبول، فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. اهـ
وتوسط الشيخ عبد القادر ابن بدران فاعتبر أحاديث الأحكام في "المسند" كلها صحيحة، فقد قال:
وقد حكى الحفاظ أن الإمام أحمد اشترط أن لا يخرج في "مسنده" إلا حديثاً صحيحاً عنده. قلت: وهذا صحيح بالنسبة إلى أحاديث الأحكام. فقد روي عنه أنه قال: إذا كان الحديث في الحلال والحرام شددنا، وإذا كان في غيره تساهلنا ... إلى أن قال:
ومهما تعصب القوم فإن أحاديث "المسند" كلها يصح الإحتجاج بها، وهي صحيحة على طريقته التى استقام عليها، كما أشرنا إلى بعض ذلك عند الكلام على أصوله. ولعل الذين قالوا بضعف أحاديث من مسنده جاءتهم من طرق ضعيفة غير طريقه، فضعفوها