للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإلتزام به، فمن ذا الذي لم يعزب عنه شيء عن الأحاديث التي جمعها أئمة الحديث في دواوينهم التي بلغت عدة الأحاديث فيها الآلاف المؤلفة؟ ومن ذا الذي سلم من الخطأ فيما بناه عن الأحكام على القياس والتنظير والتمثيل؟

فالأئمة الفقهاء أصحاب فضل بما سبقوا إليه من رسم قواعد الإستنباط ومسالك الإجتهاد والنظر , وبما بذلوا من جهود في تخريج أحكام الفقه الإسلامي، وفي اختلافهم رحمة وسعة على الأمة، ومذاهبهم فىِ جملتها تتكامل ولا تتفاضل، وتتآزر ولا تتنافر، وللباحثين المجتهدين بعد ذلك أن ينظروا في أقوالهم في مسائل الخلاف مع ما نصبوا عليها من الأدلة، وما استندوا إليه من الحجج، على أنها ظنون راجحة لديهم، وقد تكون مرجوحة عند غيرهم، وهي دائمًا تخضع للدليل وتوزن بموازين الأصول، ويرجح لعنها بقواعد العلم لا بمنازع الهوى.

ولا يجادل أحد في أن سلف الأمة الصالح خير من، وهم مع ذلك فد وقع بينهم الخلاف في الرأي، وعلى الرغم من ذلك لم يكن داعيًا للتعصب، ولا مسببًا للفرقة، بل كان مجرد اختلاف رأي، واجتهادًا يرجو أحدهم به أجر الله، أخطأ أم أصاب، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له فيما رواه عمرو بن العاص: "إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (١)،

ولم يذم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا عن الصحابة لخطإٍ وقع في اجتهاده , على كثرة ما وقع منهم.

وكذلك لم يكن أحد من أئمة الحق يتعمد مخالفة نص من نصوص الشريعة , وإذا وجد لأحد منهم ما يخالف نصًا صحيحًا، فلا بد له من عذر في تركه، إما لعدم اطلاعه عليه، أو لعدم اعتقاده أنه صادر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لعدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول، أو لمعارضة نصٍّ آخرَ له، أو غير ذلك من الأعذار. التي قد لا نطلع عليها. فلا يجوز للمسلمين أن يعدلوا عن قول ظهرت حجته بحديث لقول أي عالم، فتطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطوقه إلى الأدلة الشرعية، ومن خالفه من العلماء الذين لم يطلعوا عليه معذور، لا يلحقه عقاب ولا ذم، ولا يقال في حقه: إنه حلّل حرامًا، أو حكم بغير ما أنزل الله" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٧٣٥٢) , ومسلم (١٧١٦) وأبو داود (٣٥٧٤) وابن ماجه (٢٣١٤).
(٢) أسباب اختلاف الفقهاء، د. عبد الله التركي، ص ٢٩٨.