هكذا كان وضع العالم الإسلامي بصفة عامة، وأما وضع الجزيرة العربية، فقد كان صورة مصغرة، ونموذجاً لذلك الوضع العام الذي ساد العالم الإسلامي في تلك الحقبة الزمنية العصيبة.
ويصف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن -رَحِمَهُ اللهُ- تلك الحالة القاتمة بأبلغ وصف، فيقول:"كان أهل عصره ومصره -يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد، والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريق الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة، ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجذوا واجتهدوا في الإستعانة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ويبحر الأجاج ساريون به، قد أغشتهم العوائد والمألوفات، وحبستهم الشهوات والإرادات عن الارتفاع إلى قلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات"(١).
وهكذا يتبين أن نجداً كانت في تلك الأيام بحاجة إلى دعوة إصلاح دينية توضح للجهال من الناس ما خفي عليهم من أمور الدين وأحكامه، وتقضي على كل ما من شأنه أن يخل بعقائد المسلمين، وتلزم من لم يكونوا يؤدون أركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، بأدائها.
ومن جهة أخرى، كانت في حاجة إلى حركة سياسية إصلاحية تجمع شتات إماراتها وقبائلها تحت راية واحدة ليسود الأمن والإستقرار فيها.
(١) حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، للدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل، ص ٢٤.