للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفُقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون، يزيدون الرعايا إرهاقاً فوق إرهاق (١)، فغُلت الأيدي، وقُعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، ويارت التجارة بواراً شديداً، وأهملت الزراعة أيما إهمال.

وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية (٢) التي علمها صاحب الرسالة الناسَ، سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرياب الصلوات، وكثر عديد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان، يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء (٣)، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور. وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتك ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء.

ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه النبي (٤) على من استطاعه ضرباً من المستهزآت، وبالجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطاً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام؛ لغضب وأطلق اللعنة (٥) على من استحقها من المسلمين، كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان" (٦).


(١) يريد أن يقتّم صورة علماء الإسلام بأنهم كانوا يدعون الناس إلى الإستسلام للواقع المر وأنه من صميم الإستسلام للقدر الذي هو ركان هن أركان الدين. وهذه دعوى غير صحيحة في واقع الأمر، إلا إذا كان يقصد أولئك الذين انتحلوا التصوف، وحولوا الممارسات الدينية إلى شعوذة ودروشة وتخريف.
(٢) يعني عقيدة التوحيد.
(٣) من ذلك المواسم التي كانت تقام سنوياً مرة أو مرتين على الضرائح والمشاهد.
(٤) الحج فرضه الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويلغه النبي - عليه الصلاة والسلام -، لأنه مبلغ وليس مشرعاً من عنده.
(٥) لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعًانا ولا لعًانا ولا صخاباً في الأسواق. كما في الحديث ومع ذلك فقد برئ ممن يغير الدين ويبدل فيه، وأنه محروم من الورود على حوضه ونيل شفاعته يوم القيامة.
(٦) حاضر العالم الإسلامي ١/ ٢٥٩.