ويلاحظ -كما تقدمت الإشارة إليه- أن الدراسة تركزت في تلك الأحقاب على مادة الفقه، وانصرف جل الإهتمام بالمسائل الفرعية بحثاً وتحريراً وتحقيقاً، وحفظاً للمتون، واستيعاباً للشروح والحواشي، أما العلوم الشرعية الأخرى فالإهتمام بها قليل فيما بيدو لناظر، فلم تكن هناك عناية بالتوحيد والعقيدة، ولا بالتفسير وعلوم القرآن، ولا بالحديث وشروحه، بل حتى العلوم العربية لم يكن الإهتمام بها بالمحلّ الذي يتجاوز المقررات الأولية.
حالة المسلمين بعامة قبل ظهور الدعوة الإصلاحية:
بدأ المسلمون في الضعف والتراجع منذ سقوط الأندلس في أيدي الصليبيين أواخر القرن التاسع، وظل هذا الضعف والتمزق يتنامى في الأوضاع السياسية والدينية والإجتماعية، إلى أن بلغ النهاية في القرن الثاني عشر، وهو القرن الذي شهدت فيه الدولة العثمانية مرحلة الشيخوخة والهرم، ودبت فيها عوامل الضعف والتدهور في مختلف مجالات الحياة العامة، الأمر الذي أغرى كثيراً من دول الغرب وزعمائه فيما يعد بالسعي إلى تجهيز حملة صليبية جديدة يكون الهدف منها القضاء على الدولة، ثم اقتسام بلاد المسلمين فيما بينهم، ظانين أن تلك هي الفرصة الثمينة، والكرّة النهائية التي لا تقوم للإسلام بعدها قائمة.
وقد صور المؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد تلك الحالة المتضعضعة، فقال:
"في القرن الثامن عشر (يعني الثاني عشر الهجري) كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والإنحطاط أعمق دركة، فاربدَّ جوّه، وطبّقت الظلمة كل صقع من أصقاعه، ورَجا من أرجائه، وانتشر فيها فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية فى اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد، وفوض واغتيال، فليس يُرى في العالم الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين، كسلطان تركية وأواخر ملوك المغول في الهند، يحكمون حكماً واهناً فاشي القوة متلاشي الصبغة، وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في