للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا يتضح لنا أن الإمام أحمد لا يتوقف في كون علي عليه رضوان الله رابع الخلفاء الراشدين المهديين، عملاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء" (١).

فإنه يتناول فترة خلافة علي - رضي الله عنه -، فلا حجة لمن توقف في ذلك معللاً بافتراق الناس عليه (٢).

وكذلك يعتبر الخلافة الأموية صحيحة شرعاً، وكذلك الخلافة العباسية.

فقد ثبتت بطريق الغلبة والقهر في بدايتها، ثم توالى الخلفاء عليها بطريق ولاية العهد من السابق للاحق. وانعقاد الإمامة بطريق الغلبة والقهر، مقرر بالإجماع.

فهذه آراء الإمام أحمد السياسية في الجملة، أو بالأحرى فقه السلطة السياسية، فما هو موقفه الواقعي من السلطة التي كان تحت إمرتها؟

• موقف الإمام أحمد من الخلفاء العباسيين:

عاش الإمام أحمد في خلافة سبعة خلفاء من البيت العباسي، وهم على الترتيب: الهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل. لكنه في فترة الثلاثة الأُول كان صغيراً، ثم شغل بطلب العلم والرحلة فيه، فلم يعش حياته السياسية وتجربته مع الخلفاء إلا مع الأربعة الأخر، فما موقفه منهم؟

كان الإمام أحمد متمسكاً بمبدئه العلمي تجاه العباسيين، في السمع والطاعة، والتزام الجماعة، يؤدي الذي عليه، ويسأل الله الذي له، كما هو اعتقاد سائر علماء أهل السنة والجماعة.

وعلى الرغم من أنه ابتلي بتلك المحنة العظيمة -محنة القول بخلق القرآن- على يدي المأمون، فالمعتصم، فالواثق، إلا أنه لم يخرج عليهم بالسيف، ولا أذن لأحد بذلك. فكان بلا ريب ملتزماً بتلك النصائح التي كتب بها إلى عبدوس بن مالك العطار، والتي تترجم فقه المسألة تماماً.

ومما يدل على صدق ما نقوله ما رواه المؤرخون في موقفه من الواثق لما أمعن في القول بخلق القرآن والدعوة إليه، واجتمع إلى أحمد فقهاء بغداد ليروا رأيه فيما يجب أن يفعل:


(١) أخرجه أبو داود وغيره عن سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) مجموع الفتاوى ٣٥/ ١٨ - ١٩.