للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبرز من الكُتَّاب والأدباء والشعراء والإخباريين والنسابة أعلام تألقوا نجومًا في سماء التاريخ، كالخليل بن أحمد، وسيبويه، والأصمعي، وأبي عييد القاسم بن سلام، والجاحظ، وابن قتيية، وابن السِّكِّيت، وابن سعد، والواقدي، ومحمد بن إسحاق بن يسار.

لقد كان عصر الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- عصر النضج الثقافي إلى جانب النضج السياسي، فالتقى العلماء وتدارسوا الفقه، وكانت الرحلات قد كثرت بين البلدان والأمصار، وكان الإمام أحمد أحد روادها، وأخذ حديث العراقيين يجتمع إلى حديث الحجازيين إلى حديث المصريين إلى حديث الشاميين إلى حديث اليمنيين، وأخذ الفقه يجمع من فلان وفلان وفلان، ويتلاقح، ليظهر في ثوب جديد، بعد أن كان متفرقًا في الأمصار من لدن عهد الصحابة إلى ذلك العهد.

ولا ريب أن الإمام أحمد كان متصلًا بذلك الرصيد الذي تجمع بين يديه ببغداد ورحل إلى مثله في بقية الأمصار. قال ابن الجوزي: "ابتدأ أحمد - رضي الله عنه - في طلب العلم من شيوخ بغداد ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، وكتب عن علماء كل بلد" (١).

وكان في تلك الرحلات يستوعب ما عند الناس في ذلك الزمن، ولو لم يكن يتفق مع مسلكه، فقد قال أبو بكر الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها (٢). ويلغ به الحفظ لما عند سفيان الثوري من المرويات والعلوم حدًا قال فيه عبد الرحمن بن مهدي: من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري فلينظر إلى هذا. وقال: ما نظرت إلى أحمد إلا ذكرت به سفيان (٣).

وعاصر الإمام أحمد تأسيس علم أصول الفقه ومناهج الإستنباط، بل كان تَلْمَذَ لواضعه وأول المصنفين فيه، وهو الإمام الشافعي صاحب "الرسالة" الشهيرة، و"جماع العلم" في الإحتجاج بخبر الواحد، و"إبطال الإستحسان"، وغير ذلك.


(١) مناقب الإمام أحمد، ص ٤٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ١١/ ١٨٨.
(٣) المصدر السابق ١١/ ١٩٠.